للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الإِمامُ أَبو حَنيفةَ إلى أنَّ اليَهوديَّ أو النَّصرانِيَّ إذا صنَعَ بَيعةً أو كَنيسةً في صِحتِه ثم ماتَ فهو مِيراثٌ؛ لأنَّ هذا بمَنزلةِ الوَقفِ عندَه، والوَقفُ عندَه يُورَثُ ولا يَلزمُ، فكذا هذا، وإنْ أَوصَى بذلك لقَومٍ مُسمَّينِ فهو جائِزٌ من الثُّلثِ.

وإنْ أَوصَى بدارِه كَنيسةً لقَومٍ غيرِ مُسمَّينِ -أي: غيرِ مَحصورينَ- جازَت الوَصيةُ؛ لأنَّ الاعتِبارَ لمُعتقَدِهم؛ لأنَّ هذه قُربةٌ في مُعتقَدِهم، ونحن أُمِرنا بأنْ نَتركَهم وما يَدينونَ، فيَجوزُ بِناءً على اعتِقادِهم، ألَا يُرى أنَّه لو أَوصَى بما هو قُربةٌ حَقيقةً ومَعصيةٌ في مُعتقَدِهم لا تَجوزُ الوَصيةُ اعتِبارًا لاعتِقادِهم فكذا عَكسُه؛ فإنَّهم لو أوصَوْا بالحَجِّ لم يُعتبَرْ وإنْ كانَ عِبادةً عندَنا بلا خِلافٍ، فكذلك إذا أوصَوْا بما هو في مُعتقَدِهم عِبادةٌ صَحَّ، وإنْ كانَ عندَنا مَعصيةً؛ لأنَّا أُمِرنا أنْ نَتركَهم وما يَدينونَ.

وهذا إذا أَوصَى ببِناءِ البَيعةِ أو الكَنيسةِ في القُرى، فأمَّا في المِصرِ فلا يَجوزُ بالاتِّفاقِ؛ لأنَّهم لا يُمكَّنونَ من إِحداثِ ذلك في الأَمصارِ، وذكَرَ الفَرقَ بينَ بِناءِ البَيعةِ والكَنيسةِ والوَصيةِ بذلك.

قالَ في «الهِدايةِ»: ثم الحاصِلُ أنَّ وَصايا الذِّميِّ على أربَعةِ أَقسامٍ:

<<  <  ج: ص:  >  >>