للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا تَصحُّ وَصيةُ الذِّميِّ بمَعصيةٍ كبِناءِ كَنيسةٍ أو بَيتِ نارٍ أو مَكانٍ من أَماكنِ الكُفرِ، سَواءٌ كانَت ببِنائِه أو بشَيءٍ يُنفَقُ عليه؛ لأنَّ هذه وَصايا باطِلةٌ وأَفعالٌ مُحرَّمةٌ؛ لأنَّها مَعصيةٌ، فلم تَصحَّ الوَصيةُ بها كما لو وَصَّى بعَبدِه أو أَمتِه للفُجورِ، وأنَّها مَجمَعٌ لمَا أبطَلَه اللهُ تَعالى من صَلاتِهم وإِظهارِ كُفرِهم، ففي ذلك إِعانةٌ لهم على مَعصيتِهم وتَعظيمِ كَنائسِهم ولتَحريمِ ما يُستأنَفُ إِحداثُه في بِلادِ الإِسلامِ من البِيعِ والكَنائسِ.

ولأنَّ هذه في الحَقيقةِ مَعصيةٌ وإنْ كانَت في مُعتقدِهم قُربةً، والوَصيةُ بالمَعصيةِ باطِلةٌ؛ لمَا في تَنفيذِها من تَقريرِها.

فإنْ أَوصَى أحدٌ من أهلِ الذِّمةِ بأنْ تُبنَى دارُه بَيعةً أو كَنيسةً لم يَجُزْ.

قالَ الماوَرديُّ: وسَواءٌ تَحاكَموا إلينا في الوَصيةِ أو إلى حاكِمِهم، إلا أنَّهم إنْ تَحاكَموا إلينا أبطَلنا الوَصيةَ ومنَعنا من البِناءِ، وإنْ لم يَتحاكَموا إلينا مَنَعنا من البِناءِ ولم نَتعرَّضْ للوَصيةِ.

فإنْ كانَت الوَصيةُ بعِمارةِ بَيعةٍ قد استُهدِمت أبطَلنا الوَصيةَ إنْ تَرافَعوا إلينا، ومَنَعنا من البِناءِ لبُطلانِ الوَصيةِ، وإنْ لم يَترافَعوا إلينا لم نَتعرَّضْ للوَصيةِ، فإنْ بَنَوْها لم يُمنَعوا لاستِحقاقِ إِقرارِهم الذي يُقدَّمُ عليها.

ولو أَوصَى ببِناءِ كَنيسةٍ أو بَيعةٍ في دارِ الحَربِ لم يُعتَرضْ عليهم في الوَصيةِ ولا في البِناءِ؛ لأنَّ أَحكامَنا لا تَجري على دارِ الحَربِ، فإنْ تَرافَعوا في الوَصيةِ إلينا حكَمنا بإِبطالِها، ولم نَمنَعْ من بِنائِها (١).


(١) «الحاوي الكبير» (١٤/ ٣٩٢)، ويُنظَر: «مختصر المزني» (٢٨١)، و «كفاية الأخيار» (٣٩١)، و «أسنى المطالب» (٣/ ٣٠)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٧١)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٤٣٩)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٤٩١، ٤٩٢)، و «حاشية الصاوي» (١١/ ٤، ٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٣٢)، و «المغني» (٦/ ١٢٢)، و «الكافي» (٢/ ٤٧٩)، و «المبدع» (٦/ ٤٥)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٤٢)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>