للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحالةُ الثانيةُ: أنْ يُوصيَ لقَومٍ غيرِ مَحصورينَ كقَبيلةٍ لا يُحصَوْن كبَني تَميمٍ وتَغلِبَ، فقد اختَلفَ الفُقهاءُ في صِحةِ الوَصيةِ لهم هل تَجوزُ أو لا؟

فذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ في الأظهَرِ والحَنابِلةُ إلى أنَّ من أَوصَى لقَومٍ غيرِ مَحصورينَ أنَّ الوَصيةَ صَحيحةٌ؛ لعُمومِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ﴾ [النساء: ١١]، ولأنَّها وَصيةٌ لفِرقةٍ غيرِ مُعيَّنةٍ ولا مُحصاةٍ كالفُقراءِ، ولأنَّ النَّسبَ مَعنًى يُتعرَّفُ به الجِنسُ المُوصَى له، فإذا حصَلَت مَعرفتُه لم يَضرَّ الجَهلُ بعَددِهم وأَعيانِهم في صِحةِ الوَصيةِ لهم كالصِّفاتِ، مِثلَ قَولِه: العُلماءُ والفُقراءُ (١).

إلا أنَّهم اختَلَفوا: ما الذي يُجزئُ في الدَّفعِ إليهم؟ بعدَ اتِّفاقِهم على أنَّه يَجبُ عَدمُ التَّعميمِ؛ لأنَّه غيرُ مُمكنٍ.

فقالَ المالِكيةُ: لا يَلزمُ تَعميمُ الجَميعِ لتَعذُّرِه، ولا التَّسويةُ بينَهم، بل يَجتهِدُ مُتولِّي التِّفرِقةِ في الذي حضَرَ منهم في القَدرِ الذي يُعطيه، فيُعطيهم بقَدرِ الحاجةِ ويَكونُ ذلك.

أمَّا القَبيلةُ التي يُمكنُ حَصرُها فيَلزمُه التَّعميمُ (٢).

وقالَ الشافِعيةُ: له الاقتِصارُ على ثَلاثةٍ منهم كما في الفُقراءِ، ولا يَجبُ عليه التَّسويةُ بينَ الثَّلاثةِ ولا يُشتَرطُ قَبولُهم (٣).


(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٦٧)، رقم (١٩١٨).
(٢) «التاج والإكليل» (٥/ ٤٥٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٥٠٤)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٧٧، ١٧٨)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٤٩).
(٣) «النجم الوهاج» (٦/ ٢٩١، ٢٩٢)، و «مغني المحتاج» (٤/ ١٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>