للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الكاسانِيُّ: إذا ثبَتَ أنَّ القَبولَ رُكنٌ في عَقدِ الوَصيةِ فوَقتُ القَبولِ ما بعدَ مَوتِ المُوصي، ولا حُكمَ للقَبولِ والرَّدِّ قبلَ مَوتِه، حتى لو رَدَّ قبلَ المَوتِ ثم قبِلَ بعدَه صَحَّ قَبولُه؛ لأنَّ الوَصيةَ إِيجابُ المِلكِ بعدَ المَوتِ، والقَبولُ أو الرَّدُّ يُعتبَرُ، كذا الإِيجابُ؛ لأنَّه جَوابٌ، والجَوابُ لا يَكونُ إلا بعدَ تقدُّمِ السُّؤالِ.

ونَظيرُه إذا قالَ لامرأتِه: «إذا جاءَ الغَدُ فأنتِ طالِقٌ على ألفِ دِرهمٍ»، أنَّه إنَّما يُعتبَرُ القَبولُ أو الرَّدُّ إذا جاءَ الغَدُ، كذا هذا، فإذا كانَ التَّصرفُ يَقعُ إِيجابًا بعدَ المَوتِ يُعتبَرُ القَبولُ بعدَه (١).

وقالَ المَوصِليُّ: قَبولُ الوَصيةِ بعدَ المَوتِ، حتى لو أَجازَها قبلَه أو رَدَّها فليسَ بشَيءٍ؛ لأنَّ حُكمَه -وهو ثُبوتُ المِلكِ- إنَّما يَثبتُ بعدَ المَوتِ، فلا اعتِبارَ بما يُوجدُ قبلَه كما إذا وُجدَ قبلَ العَقدِ، وهو إنَّما يَملكُه بالقَبولِ؛ لأنَّه تَمليكٌ بعَقدٍ فيَتوقَّفُ على القَبولِ كغيرِه من العُقودِ، بخِلافِ المِيراثِ؛ لأنَّه خِلافةٌ عن المَيتِ حتى يَثبتَ للوارِثِ خيارُ العَيبِ دونَ المُوصَى له، ويَثبتُ جَبرًا شَرعًا من غيرِ قَبولٍ، ولأنَّه لو ملَكَ المُوصَى به من غيرِ قَبولٍ كانَ للمُوصي إِلزامُه المِلكَ بغيرِ اختِيارِه، وليسَ ذلك إلا لمَن له عليه وِلايةٌ ولا وِلايةَ له عليه، ولأنَّه لو جازَ ذلك لأَوصَى له بما يَضرُّه مِثلَما إذا علَّقَ طَلاقَه بمِلكِه وأنَّه لا يَجوزُ، وإذا كانَ القَبولُ شَرطًا لا يَملِكُه المُوصَى له إلا بالقَبولِ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٣).
(٢) «الاختيار» (٥/ ٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>