اختَلفَ الفُقهاءُ في الجَمعِ بينَ الصَّلاتَينِ في السَّفرِ الذي تُقصَرُ فيه الصَّلاةُ، فأجازَه جُمهورُ الفُقهاءِ، المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلَةُ، ومنَعَه أبو حَنيفةَ وأَصحابُه بإِطلاقِه.
قالَ ابنُ رُشدٍ ﵀: وسَببُ اختِلافِهم أوَّلًا: اختِلافُهم في تَأويلِ الآثارِ التي رُوِيت في الجَمعِ، والاستِدلالُ منها على جَوازِ الجَمعِ؛ لأنَّها كلَّها أفعالٌ وليسَت أَقوالًا، والأفعالُ يَتطرَّقُ إليها الاحتِمالُ كَثيرًا، أكثرَ من تَطرُّقِه إلى اللَّفظِ.
وثانيًا: اختِلافُهم أيضًا في تصَحيح بعضِها.
وثَالِثًا: اختِلافُهم أيضًا في إجازةِ القِياسِ في ذلك، فهي ثَلاثَةُ أَسبابٍ، كما تَرى.
أمَّا الآثارُ التي اختَلَفوا في تَأوِيلها، فمنها: حَديثُ أنَسٍ الثَّابِتُ باتِّفاقٍ، أخرَجَه البُخاريُّ ومُسلمٌ، قالَ:«كانَ النَّبيُّ ﷺ إذا ارتَحلَ قبلَ أنْ تَزيغَ الشَّمسُ أخَّرَ الظُّهرَ إلى وقتِ العَصرِ، ثم يَجمَعُ بينَهما، وإذا زاغَت صلَّى الظُّهرَ ثم ركِبَ»(١).