للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ زُفرُ وأَحمدُ في رِوايةٍ: الرُّكنُ هو الإِيجابُ من المُوصي فقط، ولا تَقفُ الوَصيةُ على القَبولِ؛ لأنَّ مِلكَ المُوصَى له بمَنزلةِ مِلكِ الوارِثِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ من المِلكَينِ يَنتقِلُ بالمَوتِ، ثم مِلكُ الوارِثِ لا يَفتقِرُ إلى قَبولِه، وكذا مِلكُ المُوصَى له؛ لأنَّ الوَصيةَ أُختُ المِيراثِ؛ إذْ كلٌّ منهما خِلافُه لمَا أنَّه انتِقالٌ، ثم الإِرثُ يَثبُتُ من غيرِ قَبولٍ فكذلك الوَصيةُ (١).

قالَ الحَنفيةُ رَدًّا على زُفرَ: ولنا أنَّه تَمليكٌ بعَقدٍ فوقَفَ على القَبولِ كالتَّمليكِ بالهِبةِ والبَيعِ، فإنْ وُجدَ القَبولُ بعدَ المَوتِ تمَّتِ الوَصيةُ، وإنْ وُجدَ قبلَه لم يَتعلَّقْ به حُكمٌ، فإذا ماتَ المُوصي زالَ مِلكُه عن المُوصَى به؛ لأنَّ المَوتَ يُزيلُ الأَملاكَ، ولم يَدخُلْ في مِلكِ المُوصَى له؛ لأنَّه يَقفُ على قَبولِه، ولا يَملكُها الوَرثةُ لتَعلُّقِ حَقِّ المُوصَى له بها.

ولأنَّ الوَصيةَ إِثباتُ مِلكٍ جَديدٍ، ولهذا لا يَردُّ المُوصَى له بالعَيبِ ولا يُردُّ عليه بالعَيبِ، ولا يَملكُ أحدٌ إِثباتَ المِلكِ لغيرِه إلا بقَبولِه، أمَّا الوِراثةُ فخِلافُه حتى يَثبُتَ فيها هذه الأَحكامُ فيَثبُتَ جَبرًا من الشَّرعِ من غيرِ قَبولٍ (٢).

وعن الإِمامِ أَحمدَ أنَّه لا يُشتَرطُ في الوَصيةِ قَبولٌ، قالَ في «القَواعدِ الفِقهيةِ»: نَصَّ الإِمامُ أَحمدُ في مَواضعَ على أنَّه لا يُعتبَرُ للوَصيةِ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣١، ٣٣٢)، و «العناية» (١٦/ ٧٤)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٨٠).
(٢) «العناية» (١٦/ ٧٤)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٨٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>