للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعَلَ رَسولُ اللهِ إشارَتَها بمَنزلةِ دَعواها ذلك بلِسانِها من غيرِ اعتِبارٍ منه دَوامَ ذلك عليها مُدةً من الزَّمانِ، فدَلَّ على أنَّ من اعتُقِلَ لِسانُه فهو بمَنزلةِ الأَخرسِ، فيَجوزُ إِقرارُه بالإِيماءِ والإِشارةِ (١).

قالَ الإِمامُ الماوَرديُّ : الخَرَسُ على ضَربَينِ: أحدُهما: أنْ يَكونَ من أصلِ الخِلقةِ، والثاني: أنْ يَكونَ لعِلةٍ، فإنْ كانَ من أصلِ الخِلقةِ مَوجودًا مع الوِلادةِ فهذا مُستقِرٌّ لا يُرجَى زَوالُه، فيَكونُ هذا الأَخرسُ في الأَحكامِ المُتعلِّقةِ بأَقوالِه مُعتبَرًا بها حالَ الإِشارةِ، فإنْ كانَ غيرَ مَفهومِ الإِشارةِ وغيرَ مَقروءِ الكِتابةِ لم يَصحَّ منه عَقدٌ ولا قَذفٌ ولا لِعانٌ، وإنْ كانَ مَفهومَ الإِشارةِ مَقروءَ الكِتابةِ صَحَّت عُقودُه اتِّفاقًا.

وأمَّا الخَرسُ الحادِثُ لعِلةٍ طرَأَت فيُرجَعُ فيه إلى عُلماءِ الطِّبِّ، فإنْ شهِدَ عُدولُهم بدَوامِه وعَدمِ بُرئِه جَرى عليه ما قدَّمناه من حُكمِ الخَرسِ في أصلِ الخِلقةِ في اعتِبارِ المَفهومِ من إِشارتِه والمَقروءِ من كِتابتِه، وقد أُصمِتت أُمامةُ بِنتُ أَبي العاصِ في مَرضِ مَوتِها، فأَشارَت بوَصايا أَمضاها الصَّحابةُ ، وقَضى رَسولُ اللهِ في الأَنصاريةِ التي شدَخَ اليَهوديُّ رأسَها فأُصمِتت بإِشارتِها إلى قاتِلِها.

وإنْ شهِدَ عُلماءُ الطِّبِّ بزَوالِه وحُدوثِ بُرئِه لم يَجرِ على إِشارتِه حُكمٌ، وكانَ كالناطِقِ المُشيرِ، وإنْ أُشكِلَ على الطِّبِّ وجَبَ التَّوقفُ عنه وتَركُ


(١) «مختصر اختلاف العُلماء» (٥/ ٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>