للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقرَعَ بينَهم، فأعتَقَ اثنَينِ وأرَقَّ أربَعةً وقالَ له قَولًا شَديدًا» (١). قالَ ابنُ قُدامةَ: يَدلُّ أيضًا على أنَّه لا يَصحُّ تَصرُّفُه فيما عَدا الثُّلثَ إذا لم يُجِزِ الوَرثةُ، ويَجوزُ بإِجازتِهم؛ لأنَّ الحَقَّ لهم، والقَولُ في بُطلانِ الوَصيةِ بالزائِدِ على الثُّلثِ إذا لم يُجِزِ الوَرثةُ كالقَولِ في الوَصيةِ للوارِثِ على ما ذكَرنا (٢).

إلا أنَّ المالِكيةَ اختلَفوا فيما إذا أَجازَها الوَرثةُ، هل تَكونُ عَطيةً مُبتدأةً كما هو مُعتمدُ المَذهبِ أو تَكونُ تَنفيذًا لمَا فعَلَه المَيتُ كما هو قَولُ ابنِ القَصارِ وابنِ العَطارِ.

وتَظهَرُ فائِدةُ الخِلافِ أيضًا في أنَّه إذا كانَ الوارِثُ مُفلِسًا، وقُلنا: إنَّ الإِجازةَ عَطيةٌ من الوارِثِ كما هو المُعتمَدُ فلغُرمائِه مَنعُه من ذلك الزائِدِ، وهُم أحَقُّ به، وهذا مَعنى قَولِهم «العَطيةُ تَفتقِرُ إلى ما تَفتقِرُ إليه الهِباتُ»، وإنْ قُلنا: إنَّه تَنفيذٌ منه لمَا فعَلَه المَيتُ؛ لم يَتعلَّقْ حَقُّ الوارِثِ بمالِ المُوصي، وليسَ للغُرماءِ حَقُّ الاعتِراضِ عليه (٣).

وسيَأتي باقي كَلامِ أهلِ العِلمِ في حُكمِ إِجازةِ الوَرثةِ للوَصيةِ فيما زادَ على الثُّلثِ، والوَصيةُ للوارِثِ -إذا أَجازوها- هل هي هِبةٌ مُبتدأَةٌ أو تَنفيذٌ للوَصيةِ في مَسألةِ: «هل تَبطلُ الوَصيةُ للوارِثِ وإنْ أجازَها الوَرثةُ أو لا؟» بالتَّفصيلِ؟


(١) أخرجه مسلم (١٦٦٨).
(٢) «المغني» (٦/ ٦٢).
(٣) «التاج والإكليل» (٥/ ٤٤٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٤٩٢، ٤٩٣)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٣٣)، و «هامش التفريع» لابن الجلاب (٢/ ٣٢٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>