وإنَّما أعلَمُ الاختِلافَ في وُجوبِ الوَصيةِ لهم؛ فإنَّ فيه عن أَحمدَ رِوايتَينِ:
إحداهما: تَجبُ، كقَولِ طائِفةٍ من السَّلفِ والخَلفِ.
والأُخرى: لا تَجبُ كقَولِ الفُقهاءِ الثَّلاثةِ وغيرِهم، ولو وَصَّى لغيرِهم دونَهم، فهل تُردُّ تلك الوَصيةُ على أَقاربِه دونَ المُوصَى له أو يُعطَى ثُلثُها للمُوصَى له وثُلثاها لأَقاربِه كما تُقسَّمُ التَّركةُ بينَ الوَرثةِ والمُوصَى له؟ على رِوايتَينِ عن أَحمدَ، وإنْ كانَ المَشهورُ عندَ أكثَرِ أَصحابِه هو القَولَ بنُفوذِ الوَصيةِ (١).
وقالَ الإِمامُ زَينُ الدِّينِ العِراقيُّ ﵀: وقالَت طائِفةٌ: نُسخَ الوالِدانِ بالفَرضِ لهما في سُورةِ النِّساءِ، وبَقيَ الأَقرَبونَ ممَّن لا يَرثُ الوَصيةُ لهم جائِزةٌ، حرَّضَ اللهُ ﷿ على ذلك، هكذا قالَ إِسحاقُ: وبه قالَ طاوُسٌ وقَتادةُ والحَسنُ، وقالَ ابنُ حَزمٍ: فَرضٌ على كلِّ مُسلمٍ أنْ يُوصيَ لقَرابتِه الذين لا يَرِثونَ إمَّا مُطلقًا وإمَّا لحاجِبٍ أو لمانِعٍ بما طابَت به نَفسُه، لا حَدَّ في ذلك، فإنْ لم يَفعَلْ أُعطُوا ما رآه الوَرثةُ أو الوَصيُّ، قالَ: وبوُجوبِ الوَصيةِ للقَرابةِ الذين لا يَرِثونَ، يَقولُ إِسحاقُ وأَبو سُليمانَ، وحَكى ابنُ المُنذرِ الإِجماعَ على أنَّ الوَصيةَ للقَرابةِ غيرِ الوارِثينَ جائِزةٌ، ثم حَكى خِلافًا فيما إذا ترَكَ الوَصيةَ لهم وأَوصَى لأَجنبيٍّ.