للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا ممَّا لا نَعلمُ بينَ الأُمةِ فيه خِلافًا، إلا شَيئًا يُحكَى عن بعضِ مُعتزلةِ بَغدادَ، مِثلَ المَريسيِّ (١) وأَضرابِه، أنَّهم زعَموا أنَّ المُخطئَ من المُجتهِدينَ يُعاقَبُ على خَطئِه.

وهذا لأنَّ لُحوقَ الوَعيدِ، لمَن فعَلَ المُحرَّمَ مَشروطٌ بعِلمِه بالتَّحريمِ، أو بتَمكُّنِه من العِلمِ بالتَّحريمِ.

فإنَّ مَنْ نشَأَ ببادِيةٍ، أو كانَ حَديثَ عَهدٍ بإِسلامٍ، وفعَلَ شَيئًا من المُحرَّماتِ غيرُ عالِمٍ بتَحريمِها، لم يأثَمْ، ولم يُحَدْ، وإنْ لم يَستنِدْ في استِحلالِه إلى دَليلٍ شَرعيٍّ.

فمَن لم يَبلُغْه الحَديثُ المُحرِّمُ، واستنَدَ في الإِباحةِ إلى دَليلٍ شَرعيٍّ أوْلى أنْ يَكونَ مَعذورًا.

ولهذا كانَ هذا مَأجورًا مَحمودًا، لأَجلِ اجتِهادِه، قالَ اللهُ سُبحانَه: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: ٧٨، ٧٩]. فاختَصَّ سُليمانَ بالفَهمِ، وأثْنَى عليهما بالحُكمِ والعِلمِ.


(١) هو بِشرُ بن غِياثِ بنِ أبي كَريمةَ عبدِ الرَّحمنِ المَريسيُّ العَدويُّ بالوَلاءِ، فَقيهٌ مُعتزليٌّ، عارِفٌ بالفَلسفةِ، وهو رَأسُ الطائِفةِ المَريسيةِ القائِلةِ بالإِرجاءِ، وإليه نِسبتُها، قالَ برَأيِ الجَهميةِ، له تَصانيفُ، ولعُثمانَ بنِ سَعيدٍ الدارِميِّ كِتابُ: «النَّقض على بِشرٍ المَريسيِّ» في الرَّدِّ على مَذهبِه، تُوفِّيَ سَنةَ ٣١٨ هـ، وكانَ داعيةً إلى القَولِ بخَلقِ القُرآنِ. نَسألُ اللهَ السَّلامةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>