للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قالَ الكاسانِيُّ: وبَعضُ الناسِ يَقولُ: الوَصيةُ واجِبةٌ لمَا رُويَ عنه أنَّه قالَ: «لا يَحلُّ لرَجلٍ يُؤمنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ له مالٌ يُريدُ أنْ يُوصيَ فيه يَبيتُ لَيلتَينِ إلا ووَصيَّتُه عندَ رأسِه»، وفي الحَديثِ نَفسِه ما يَنفي الوُجوبَ؛ لأنَّ فيه تَحريمَ تَركِ الإِيصاءِ عندَ إِرادةِ الإِيصاءِ، والواجِبُ لا يَقفُ وُجوبُه على إِرادةِ مَنْ عليه كسائِرِ الواجِباتِ، أو يُحملُ الحَديثُ بما عليه من الفَرائضِ والواجِباتِ كالحَجِّ والزَّكاةِ والكَفاراتِ، والوَصيةُ بها واجِبةٌ عندَنا على أنَّه من أَخبارِ الآحادِ ورَدَ فيما تَعمُّ به البَلوى، وأنَّه دَليلٌ على عَدمِ الثُّبوتِ فلا يُقبلُ.

وقيلَ: إنَّها كانَت واجِبةً في الابتِداءِ للوالِدَينِ والأَقرَبينَ المُسلِمينَ؛ لقَولِ اللهِ : ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)[البقرة: ١٨٠]، ثم نُسخَت.

واختُلفَ في الناسِخِ، قالَ بعضُهم: نسَخَها الحَديثُ، وهو ما رُويَ عن أَبي قِلابةَ أنَّه قالَ: «لا وَصيةَ لوارِثٍ» والكِتابُ الكَريمُ قد يُنسخُ بالسُّنةِ.

فإنْ قيلَ: إنَّما يُنسخُ الكِتابُ عندَكم بالسُّنةِ المُتواتِرةِ، وهذا من الآحادِ.

فالجَوابُ: أنَّ هذا الحَديثَ مُتواتِرٌ، غيرَ أنَّ التَّواتُرَ ضَربانِ، تَواتُرٌ من حيثُ الرِّوايةِ، وهو أنْ يَرويَه جَماعةٌ لا يُتصوَّرُ تَواطُؤُهم على الكَذبِ، وتَواتُرٌ من حيثُ ظُهورُ العَملِ به قَرنًا فقَرنًا من غيرِ ظُهورِ المَنعِ والنَّكيرِ عليهم في العَملِ به، إلا أنَّهم ما رَوَوْه على التَّواتُرِ؛ لأنَّ ظُهورَ العَملِ به

<<  <  ج: ص:  >  >>