للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للوارِثِ مَنسوخةٌ بآيِ المَواريثِ وأنَّه لا وَصيةَ لوارِثٍ مما لا أعرِفُ فيه عن أحدٍ ممَّن لَقيتُ خِلافًا، قالَ الشافِعيُّ: وإذا كانَت الوَصايا لمَن أمَرَ اللهُ -تَعالى ذِكرُه- بالوَصيةِ مَنسوخةً بآيِ المَواريثِ، وكانَت السُّنةُ تَدلُّ على أنَّها لا تَجوزُ لوارِثٍ، وتَدلُّ على أنَّها تَجوزُ لغيرِ قَرابةٍ، دَلَّ ذلك على نَسخِ الوَصايا للوَرثةِ، وأشبَهَ أنْ يَدلَّ على نَسخِ الوَصايا لغيرِهم (١).

قالَ أَبو عُمرَ: ليسَ في كِتابِ اللهِ ذِكرُ الوَصيةِ إلا في قَولِه ﷿: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (١٨٠)[البقرة: ١٨٠] وهذه الآيةُ نزَلَت قبلَ نُزولِ الفَرائضِ والمَواريثِ، فلمَّا أنزَلَ اللهُ حُكمَ الوالِدَينِ وسائِرِ الوارِثينَ في القُرآنِ نسَخَ ما كانَ لهم من الوَصيةِ، وجعَلَ لهم مَواريثَ مَعلومةً على حَسبِ ما أحكَمَ من ذلك .

وقد رُوي عن ابنِ عَباسٍ وسَعيدِ بنِ جُبَيرٍ والحَسنِ أنَّ آيةَ المَواريثِ نسَخَت الوَصيةَ للوالِدَينِ والأَقرَبينَ الوارِثينَ، وهو مَذهبُ الشافِعيِّ وأكثَرِ المالِكيِّينَ وجَماعةٍ من أهلِ العِلمِ، ورُويَ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «لا وَصيةَ لوارِثٍ» (٢) وهذا بَيانٌ منه أنَّ آيةَ المَواريثِ نسَخَت الوَصيةَ للوارِثينَ، وأمَّا مَنْ أجازَ نَسخَ القُرآنِ بالسُّنةِ من العُلماءِ


(١) «الأم» (٤/ ٩٨، ٩٩).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أَبو داود (٢٨٧٠، ٣٥٦٥)، والنسائي (٣٦٤١)، وابن ماجه (٢٧١٣، ٢٧١٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>