إلا أنَّ الفُقهاءَ اختَلفوا فيما إذا حلَفَ بالأَمانةِ أو بأَمانةِ اللهِ هل يَنعقِدُ يَمينُه أم لا؟
فذهَبَ الحَنفيةُ في رِوايةِ الأَصلِ والمالِكيةُ إلى أنَّها يَمينٌ مُكفَّرةٌ، وكذا عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ إذا نَوى بها اليَمينَ، وإنْ لَم يَنوِ بها اليَمينَ أو أَطلَقَ فليسَت بيَمينٍ.
وعندَ أَبي يُوسفَ وأَبي جَعفرٍ الطَّحاوِيِّ مِنْ الحَنفيةِ ليسَت بيَمينٍ، وبَيانُ ذلك فيما يَلي.
فذهَبَ الحَنفيةُ في رِوايةِ الأَصلِ أنَّه لو قالَ:«وأَمانةِ اللهِ أنَّه يَكونُ يَمينًا».
وذكَرَ ابنُ سَماعةَ عن أَبي يُوسفَ أنَّه لا يَكونُ يَمينًا.
قالَ الكَاسانِيُّ: وذكَرَ الطَّحاوِيُّ عن أَصحابِنا جَميعًا أنَّه ليسَ بيَمينٍ.
وَجهُ ما ذكَرَه الطَّحاوِيُّ أنَّ أَمانةَ اللهِ فَرائضُه التي تَعبَّدَ عِبادُه بها مِنْ الصَّلاةِ والصَّومِ وغيرِ ذلك، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ﴾ [لقمان: ٧٢] فكانَ حَلفًا بغيرِ اسمِ اللهِ ﷿ فلا يَكونُ يَمينًا.
وَجهُ ما ذكَرَه في الأَصلِ أنَّ الأَمانةَ المُضافةَ إلى اللهِ تَعالى عندَ القَسمِ يُرادُ بها صِفتُه، ألا تَرى أنَّ الأَمينَ مِنْ أَسماءِ اللهِ تَعالى وأنَّه اسمٌ مُشتَقٌّ مِنْ الأَمانةِ؟ فكانَ المُرادُ بها عندَ الإِطلاقِ خُصوصًا في مَوضعِ القَسمِ صفةَ اللهِ (١).