للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمُحَرماتِ، أو كانَ امرأةً ناشِزةً مِنْ زَوجِها، أو مُتغيِّبًا عن غَريمِه، مع قُدرَتِه على قَضاءِ دَينِه، ونحوَ ذلك، فلا يَجوزُ له أن يَترخَّصَ بالقَصرِ ولا بغيرِه مِنْ رُخَصِ السَّفرِ؛ لقولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٧٣]؛ فأباحَ الأكلَ لمَن لم يَكنْ عادِيًا ولا باغِيًا، فلا يُباحُ لِباغٍ ولا عادٍ، قالَ ابنُ عَباسٍ: غيرَ باغٍ على المسلِمينَ، مُفارِقٍ لِجَماعتِهم، يُخيفُ السَّبيلَ، ولا عادَ عليهم؛ ولأنَّ التَّرخُّصَ شُرعَ لِلإعانةِ على تَحصيلِ المَقصِدِ المُباحِ تَوصُّلًا إلى المَصلَحةِ، فلو شُرعَ ههنا لَشُرعَ إعانَةً على المُحَرمِ تَحصيلًا للمَفسَدةِ، والشَّرعُ مُنَزَّهٌ عن هذا، والنُّصوصُ وَرَدت في حقِّ الصَّحابةِ، وكانَت أسفارُهم مُباحةً، فلا يثبُتُ الحكمُ فيمَن سَفرُه مُخالِفٌ لِسَفرِهم.

فإن قصَرَ العاصي بسَفرِه فعندَ المالِكيةِ لا يُعيدُ الصَّلاةَ، على الأصوَبِ، وإن أثِمَ بعِصيانِه.

ومَن أنشَأَ السَّفرَ عاصِيًا به، ثم تابَ في أَثنائِه، فعندَ المالِكيةِ والشافِعيةِ في الصَّحيحِ والحَنابلَةِ: يَقصُرُ إن كانَ ما بقِيَ مِنْ السَّفرِ مَسافَةَ القَصرِ.

ولو سافَرَ سَفرًا مُباحًا ثم قصدَ بسَفرِه المَعصيةَ قبلَ تَمامِ سَفرِه، انقطَعَ التَّرخُّصُ؛ فلا يَقصُرُ مِنْ حينِ نَوى المَعصيةَ؛ لأنَّ سَفرَ المَعصيةِ يُنافِي التَّرخُّصَ، وهذا عندَ المالِكيةِ والشافِعيةِ في الأصَحِّ والحَنابلَةِ، والقولِ الثاني لِلشافِعيَّةِ: أنَّه يَترخَّصُ بالقَصرِ وغيرِه؛ لأنَّ السَّفرَ انعَقدَ مُباحًا، فلا يتغيَّرُ العاصي في سَفرِه، وهو مَنْ خرَجَ في سَفرٍ مُباحٍ، وقَصدٍ صَحيحٍ، ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>