للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الشافِعيةُ فالأَصلُ عندَهم أنَّ الأَيمانَ إن كانَت باللهِ تَعالى فإنَّها تُبنى على العُرفِ فيُحملُ اللَّفظُ فيها على مَعناه المُتعارَفِ ولو كانَ مَجازًا سَواءٌ كانَ مَجازًا مُتعارَفًا أو لا فإذا قالَ: «واللهِ لا آكُلُ مِنْ هذه الشَّجرةِ» فإنَّه يَحنَثُ إذا أكَلَ مِنْ ثَمرِها معَ أنَّ مَدلولَ لفظِ الشَّجرةِ الحَقيقيِّ هو الشَّجرةُ والوَرقُ، ولكنَّ هذه العِبارةَ استُعمِلَت عُرفًا في ثَمرِ الشَّجرةِ فصارَت مَدلولًا لها في العُرفِ.

وكذلك إذا حلَفَ أَميرٌ لا يَبنِي دارَه يَحنَثُ إذا بَناها الغَيرُ، وكذلك إذا حلَفَ لا يَحلِقُ رأسَه فحلَقَ له غيرُه بأَمرِه فإنَّه يَحنَثُ على المُعتَمدِ نَظرًا للعُرفِ ما لَم يَنوِ شَيئًا آخرَ فيَعمَلُ بنِيتِه.


٢٢ - وإنْ حلَفَ لا يَتزوَّجُ أو لا يُطلِّقُ فوكَّلَ مَنْ فعَلَ ذلك حنِثَ، وكذا الخُلعُ والصُّلحُ مِنْ دمِ العَمدِ والهِبةُ والصَّدقَةُ والكِسوةُ والنَّفقةُ؛ لأنَّ الوَكيلَ في هذه الأَشياءِ سَفيرٌ ومُعبِّرٌ، ولهذا لا يُضيفُه إلى نَفسِه، لا يَقولُ: «تزوَّجتُ»، وإنَّما يَقولُ: «زوَّجتُ فُلانًا وطلَّقتُ امرأَةَ فُلانٍ»، وحُقوقُ العَقدِ راجِعةٌ إلى الآمِرِ لا إليه، فإنْ قالَ الآمِرُ: نَويْتُ أنْ أَليَ ذلك بنَفسِي لا يُديَّنُ في القَضاءِ ويُديَّنُ فيما بينَه وبينَ اللهِ تَعالى.
ولَو حلَفَ لا يَذبَحُ شاتَهُ فأمَرَ إِنسانًا ففعَلَ ذلك حنِثَ، وإنْ قالَ: نوَيتُ أنْ ألِيَه بنَفسِي دُينَ في القَضاءِ.
٢٣ - ومَن حلَفَ لا يَجلسُ على الأَرضِ فجلَسَ على بِساطٍ أو حَصيرٍ لَم يَحنَثْ؛ لأنَّه لا يُسمَّى جالِسًا على الأَرضِ، بخِلافِ ما إذا حالَ بينَه وبينَها لِباسُه؛ لأنَّه تَبعٌ له، فلا يُعتبَرُ حائِلًا، ولأنَّ الجالِسَ على الأَرضِ هو مَنْ باشَرَها ولَم يَحلْ بينَه وبينَها حائِلٌ مُنفَصلٌ عنه.
٢٤ - ومَن حلَفَ لا يَجلِسُ على سَريرٍ فجلَسَ على سَريرٍ فوقَه بِساطٌ أو حَصيرٌ حنِثَ؛ لأنَّه يُعدُّ جالِسًا عليه.
وإنْ جعَلَ فوقَه سَريرًا آخَرَ فجلَسَ عليه لَم يَحنَثْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>