للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتَوضيحُ ذلك أنَّ اللَّفظَ المَذكورَ في اليَمينِ يُنظرُ إلى مَعناه المُتعارَفِ عندَ الناسِ سَواءٌ كانَ عُرفًا خاصًّا أو عامًّا بقَطعِ النظرِ عن مَعناه اللُّغويِّ أو الشَّرعيِّ مثالُ ذلك أن يَقولَ: «واللهِ لا آكلُ رأسًا» فيَحنَثُ إذا أكَلَ رأسًا مِنْ الرُّؤوسِ التي جرَت العادةُ ببَيعِها في الأَسواقِ كرُؤوسِ الغَنمِ والبَقرِ وهكذا، وهو المَعنى الذي يَقصدُه الناسُ مِنْ لَفظِ الرُّؤوسِ التي تُؤكَلُ فلا يَحنَثُ بأَكلِ رأسِ الطَّيرِ كالبطِّ والإوزِّ ولا بأَكلِ رأسِ العَصافيرِ ولا بأَكلِ رأسِ السَّمكِ إلا إذا اصطَلحَ الناسُ على بيعِها في الأَسواقِ وحدَها معَ أنَّ لفظَ الرَّأسِ في اللُّغةِ يُطلَقُ عليها ويَعمُّها ولكنَّ هذا المَعنى اللُّغويَّ لا يُعتبَرُ بل المُعتبَرُ هو المَعنى العُرفِيَّ كما عرَفتَ.

وكذلك إذا قالَ: «واللهِ لا أَركبُ وتدًا» فإنَّه لا يَحنَثُ إذا ركِبَ الجَبلَ معَ أنَّ الجَبلَ سمَّاه القُرآنُ وتدًا ولكنَّ الوتدَ في العُرفِ غيرُ الجَبلِ على أنَّه لا بدَّ مِنْ ذِكرِ اللَّفظِ الذي يَدلُّ على المَعنى العُرفيِّ المَقصودِ فإذا فُهمَ المَعنى العُرفيَّ مِنْ العِبارةِ بدونِ لفظٍ يَدلُّ عليه فإنَّه لا يُعتبَرُ مثالُ ذلك أنْ يَقولَ: «واللهِ لا أَخرجُ مِنْ البابِ» فخرَجَ مِنْ السَّطحِ فإنَّه لا يَحنَثٌ وإنْ كانَ المَفهومُ عُرفًا مِنْ هذه العِبارةِ أنَّه يُريدُ أنْ لا يَخرجَ مُطلَقًا لا مِنْ البابِ ولا مِنْ السَّطحِ ولكنْ لَم يَذكُرْ في العِبارةِ لَفظٌ يَدلُّ على هذا الغَرضِ فلا يُعتبَرُ؛ لأنَّ العُرفَ لا يَجعلُ غيرَ المَلفوظِ مَلفوظًا، وكذا إذا حلَفَ لا يَضربُه سَوطًا فضرَبَه بعَصا فإنَّه لا يَحنثُ وإنْ كانَ المَعنى المَقصودُ عُرفًا أنه لا يُؤذِيه بالضَّربِ مُطلَقًا لا بالسَّوطِ ولا بالعَصا ولكنَّ لفظَ العَصا غيرُ مَذكورٍ فلا يُعتبَرُ مَعناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>