والعُرفِ تُعتَبرُ فيه اللُّغةُ أنَّها العُرفُ وهذا إذا لَم تَكنْ له نِيةٌ، وإنْ كانَ له نِيةُ شيءٍ واللَّفظُ يَحتَملهُ انعَقدَ اليَمينُ باعتِبارِه.
والأصلُ فيه ما رُويَ أنَّ رَجلًا جاءَ إلى ابنِ عَباسٍ ﵄ وقالَ: إنَّ صاحِبًا لنا ماتَ وأَوصى ببَدنةٍ أفُتجزِئُ عنه البَقرةُ؟ فقالَ ابنُ عَباسٍ ﵄: ممن صاحبِكُم؟ فقالَ السائلُ: مِنْ بَني رَباحٍ، فقالَ ابنُ عَباسٍ ﵄: متى اقتَنَت بَنو رَباحٍ البَقرَ؟! إنَّما البَقرُ للأَزدِ وذهَبَ وَهمُ صاحبِكم إلى الإبلِ. فهذا الحَديثِ أَصلٌ أَصيلٌ في حَملِ مُطلقِ الكَلامِ على ما يَذهبُ إليه أَوهامُ الناسِ، ولأنَّ العُرفَ وَضعٌ طارِئٌ على الوَضعِ الأَصليِّ، والاصطِلاحُ جارٍ مِنْ أهلِ اللُّغةِ فالظاهِرُ أنَّ المُتكَلمَ يَقصِدُ بكَلامِه ذلك فيُحملُ عليه مُطلَقُ اللَّفظِ، فالأَيمانُ مَبناها على العُرفِ.
فمَن حلَفَ لا يَجلِسُ في سِراجٍ فجلَسَ في الشَّمسِ لا يَحنَثُ وإنْ سمَّى اللهُ تَعالى الشَّمسَ سِراجًا بقوله ﷿: ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (١٦)﴾ [نوح: ١٦] وكذا مَنْ حلَفَ لا يَجلسُ على بِساطٍ فجلَسَ على الأَرضِ لا يَحنَثُ وإنْ سمَّاها اللهُ ﷾ في القُرآنِ العَظيمِ بِساطًا بقوله ﷿: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩)﴾ [نوح: ١٩]، وكذا مَنْ حلَفَ لَا يَمسُّ وتدًا فمسَّ جَبلًا لا يَحنَثُ وإنْ سمَّى اللهُ ﷿ الجبلَ وتدًا بقولِه تَعالى: ﴿وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (٧)﴾ [النبأ: ٧].
فالحاصِلُ أنَّ المُعتبَرَ إنَّما هو اللَّفظُ العُرفيُّ المُسمَّى، وأما غرضُ الحالِفِ فإنْ كانَ مَدلولُ اللَّفظِ المُسمَّى اعتُبرَ وإنْ كانَ زائِدًا على اللَّفظِ فلا يُعتَبرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute