للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي عليه نُصوصُه وأُصولُه اعتِبارُ النِّيةِ والسَّببِ في اليَمينِ وحَملُ كَلامِ الحالِفينَ على ذلك، وهذا في نُصوصِه أَكثرُ مِنْ أنْ يُذكرَ فليَنظرْ فيها.

وأما مَذهبُ أَصحابِ أَبي حَنيفةَ فقالَ في كِتاب الذَّخائر في كِتابِ الأَيمانِ:

الفَصلُ السادِسُ في تَقييدِ الأَيمانِ المُطلقةِ بالدِّلالةِ، إذا أَرادَت المَرأةُ الخُروجَ مِنْ الدارِ فقالَ الزَّوجُ: «إن خرَجتِ مِنْ الدارِ فأنتِ طالقٌ» فجلَسَت ساعةً ثم خرَجَت لا تَطلُقُ، وكذلك لو أَرادَ رجلٌ أنْ يَضرِبَه فحلَفَ آخرُ أنْ لا يَضرِبَه، فهذا على تلك الضَّربةِ، حتى لو مكَثَ ساعةً ثم ضرَبَه لا يَحنَثُ، ويُسمَّى هذا يَمينَ الفَورِ، وهذا لأنَّ الخَرجةَ التي قصَدَ والضَّربةَ التي قصَدَ هي المَقصودةُ بالمَنعِ منها عُرفًا وعَادةً؛ فيَتعيَّنُ ذلك بالعُرفِ والعادةِ، وإذا دخَلَ الرَّجلُ على الرَّجلِ فقالَ: تَعالى تَغدَّ معِي، فقالَ: «واللهِ لا أَتَغدَّى»، فذهَبَ إلى بيتِه وتَغدَّى معَ أهلِه لا يَحنَثُ، وكذلك إذا قالَ الرَّجلُ لغيرِه: «كلْ معَ فُلانٍ»، فقالَ: «واللهِ لا آكلُ»، ثم ذكَرَ تَقريرَ ذلك بأنَّه جَوابٌ لقولِ الآمرِ له، والجَوابُ كالمَعادِ في السُّؤالِ؛ فإنَّه يَتضمَّنُ ما فيه، قالَ: وليسَ كابتِداءِ اليَمينِ؛ لأنَّ كلامَه لَم يَخرجْ جَوابًا بالتَّقييدِ، بل خرَجَ ابتِداءً، هو مُطلَقٌ عن القيدِ فيَنصرِفُ إلى كلِّ غِداءٍ.

قالَ: وإذا قالَ لغيرِه: «كلِّمْ لي زَيدًا اليومَ في كذا»، فقالَ: «واللهِ لا أُكلِّمه، فهذا يَختَصُّ باليومِ؛ لأنَّه خرَجَ جَوابًا عن الكَلامِ السابِقِ، وعلى هذا إذا قالَ: «ائتِني اليومَ»، فقالَ: «امرَأتُه طالِقٌ إنْ أَتاكَ»، وقد صرَّحَ أَصحابُ أَبي حَنيفةَ بأنَّ النِّيةَ تَعملُ في اللَّفظِ لتَعيينِ ما احتَملَه اللَّفظُ؛ فإذا تَعيَّنَ باللَّفظِ، ولَم يَكنْ اللَّفظُ مُحتمِلًا لما نَوى لَم تُؤثِّرِ النِّيةُ فيه؛ فإنَّه حينَئذٍ يَكونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>