للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابنُ عَقيلٍ: يُباحُ له القَصرُ إذا بلَغَ مَسافَةً مُبيحةً له؛ لأنَّه مُسافِرٌ سَفرًا طَويلًا.

قالَ ابنُ قُدامةَ: ولنا: أنَّه لم يَقصِدْ مَسافةَ القَصرِ، فلم يُبَح له كابتِداءِ سَفرِه، ولأنَّه لم يُبَح القَصرُ في ابتِدائِه، لم يُبَح في أثنائِه إذا لم يُغيِّر نيَّتَه، كالسَّفرِ القَصيرِ، وسَفرِ المَعصيةِ، ومتى رَجعَ هذا يَقصدُ بَلدَه، أو نَوى مَسافَةَ القَصرِ، فله القَصرُ، لوُجودِ نيَّتِه المُبِيحَةِ، ولو قصَدَ بَلدًا بَعيدًا، أو في عَزمِه أنَّه متى وجَدَ طِلبَتَه دُونَه رَجعَ أو أقامَ، لم يُبَحْ له القَصرُ؛ لأنَّه لم يَجزِم بسَفرٍ طَويلٍ، وإن كانَ يَرجعُ ولا يُقيمُ بوُجودِه، فلَه القَصرُ (١).

وقالَ النَّوويُّ : قالَ أَصحابُنا: يُشتَرطُ لجَوازِ القَصرِ أن يَربِطَ قَصدَه بمَقصِدٍ مَعلومٍ، فأمَّا الهائِمُ الذي لا يَدري أينَ يَتوجَّهُ، ولا له قَصدٌ في مَوضعٍ، وراكِبُ التَّعاسيفِ -وهو الذي لا يَسلُكُ طَريقًا، ولا له مَقصِدٌ مَعلومٌ- فلا يَترخَّصانِ أبدًا بقَصرٍ ولا غيرِه مِنْ رُخَصِ السَّفرِ، وإن طالَ سَفرُهما، وبلغَ مَراحلَ، فهذا هو المَذهبُ، وبه قطَعَ الأَصحابُ، في كلِّ الطُّرقِ.

وقالَ البَغويُّ وغيرُه: وكَذا البَدويُّ: إذا خرَجَ مُنتَجِعًا، على أنَّه متى وجَدَ مَكانًا مُعشِبًا أقامَ به، لم يَجزْ له التَّرخُّصُ (٢).

والمُعتبَرُ في نيَّةِ السَّفرِ الشَّرعيِّ نيَّةُ الأصلِ دونَ التَّابِعِ، فمَن كانَ سَفرُه تابِعًا لغيرِه فإنَّه يَصيرُ مُسافِرًا بنيَّةِ ذلك الآخَرِ، وذلك كالزَّوجةِ التَّابعةِ


(١) «المغني» (٢/ ٤٩).
(٢) «المجموع» (٥/ ٤٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>