للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الكاسانِيُّ : لأنَّ السَّيرَ قد يَكونُ سَفرًا، وقد لا يَكونُ؛ لأنَّ الإِنسانَ قد يَخرجُ مِنْ مِصرِه إلى مَوضعٍ لِإصلاحِ الضَّيعةِ ثم تَبدُو له حاجَةٌ أُخرى إلى المُجاوَزةِ عنه إلى مَوضعٍ آخرَ، ليسَ بينَهما مدَّةُ سَفرٍ ثم وثم، إلى أن يَقطعَ مَسافةً بَعيدةً أكثرَ مِنْ مدَّةِ السَّفرِ، لا لقَصدِ السَّفرِ، فلا بدَّ مِنْ النِّيةِ للتَّميزِ (١).

وقالَ في «شَرح فَتحِ القَديرِ»: لو طافَ الدُّنيا مِنْ غيرِ قَصدٍ إلى قَطعِ مَسيرةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ، لا يَترخَّصُ، وعلى هذا قالوا: أميرٌ خرَجَ مع جَيشِه في طلَبِ العَدوِّ، ولم يَعلَمْ أينَ يُدرِكُهم؛ فإنَّهم يُصلُّونَ صَلاةَ الإِقامةِ في الذَّهابِ، وإن طالَتِ المدَّةُ، وكذلك المُكثُ في ذلك المَوضِعِ، أمَّا في الرُّجوعِ فإن كانَ مدَّةَ سَفرٍ قَصَروا (٢).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : الاعتِبارُ بالنِّيةِ، لا بالفِعلِ، فيُعتبَرُ أن يَنوِيَ مَسافةً تُبيحُ القَصرَ، فلو خرَجَ يَقصِدُ سَفرًا بَعيدًا، فقصَرَ الصَّلاةَ، ثم بَدا له، فرجَعَ، كانَ ما صلَّاه ماضِيًا صَحيحًا، ولا يَقصُرُ في رُجوعِه إلا أن تَكونَ مَسافَةُ الرُّجوعِ مُبيحةً بنَفسِها، نصَّ أحمدُ على هذا، ولو خرَجَ طالِبًا لعَبدٍ آبِقٍ لا يَعلَمُ أينَ هو، أو مُنتجِعًا غَيثًا، أو كلَأً، متى وجَدَه أقامَ أو رجَعَ، أو سائِحًا في الأرضِ، لا يَقصِدُ مَكانًا، لم يُبَحْ له القَصرُ، وإن سارَ أيَّامًا، وقالَ


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٤).
(٢) «شرح فتح القدير» (٢/ ٢٨)، و «درر الحكام» (٢/ ١١٣)، و «القوانين الفقهية» (٥٩)، و «الشرح الكبير» (١/ ٣٦٣)، و «المجموع» (٥/ ٤٣٥)، و «المغني» (٢/ ٤٨١)، و «الأمُّ» (١/ ١٨٠)، و «منح الجليل» (١/ ٤٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>