وعَدمًا، ولهذا إذا علَّقَ الشارِعُ حُكمًا بسَببٍ أو علَّةٍ زالَ ذلك الحُكمُ بزَوالِهما كالخَمرِ عُلقَ بها حُكمُ التَّنجيسِ ووُجوبُ الحدِّ لوَصفِ الإِسكارِ، فإذا زالَ عنها وصارَت خلًّا زالَ الحُكمُ، وكذلك وَصفُ الفِسقِ عُلقَ عليه المَنعُ مِنْ قَبولِ الشَّهادةِ والرِّوايةِ، فإذا زالَ الوَصفُ زالَ الحُكمُ الذي عُلقَ عليه، وكذلك السَّفهُ والصِّغرُ والجُنونُ والإِغماءُ تَزولُ الأَحكامُ المُعلِّقةُ عليها بزَوالِها، والشَّريعةُ مَبنِيةٌ على هذه القاعِدةِ، فهكذا الحالِفُ إذا حلَفَ على أمرٍ لا يَفعلُه لسَببٍ فزالَ السَّببُ لَم يَحنَثْ بفِعلِه؛ لأنَّ يَمينَه تَعلَّقَت به لذلك الوَصفِ، فإذا زالَ الوَصفُ زالَ تَعلُّقُ اليَمينِ فإذا دُعيَ إلى شَرابٍ مُسكِرٍ ليَشربَه فحلَفَ أنْ لا يَشربَه، فانقَلبَ خلًّا فشرِبَه لَم يَحنَثْ، فإن منَعَ نفسَه منه نَظيرَ مَنعِ الشارِعِ، فإذا زالَ مَنعُ الشارِعِ بانقِلابِه خلًا وجَبَ أنْ يَزولَ مَنعُ نفسِه بذلك، والتَّفريقُ بينَ الأَمرَينِ تَحكُّمٌ مَحضٌ لا وَجهَ له؛ فإذا كانَ التَّحريمُ والتَّنجِيسُ ووُجوبُ الإِراقةِ ووُجوبُ الحدِّ وثُبوتُ الفِسقِ قد زالَ بزَوالِ سَببِه فما المُوجِبُ لبَقاءِ المَنعِ في صُورةِ اليَمينِ وقد زالَ سَببُه؟
وهل يَقتضِي مَحضُ الفِقهِ إلا زَوالَ حُكمِ اليَمينِ؟ يُوضِّحُه أنَّ الحالِفَ يَعلمُ مِنْ نَفسِه أنَّه لَم يَمنعْها مِنْ شُربِ غيرِ المُسكِرِ، ولَم يَخطرْ ببالِه، فإِلزامُه ببَقاءِ حُكمِ اليَمينِ وقد زالَ سَببُها إِلزامٌ بما لَم يَلتَزمُه هو، ولا أَلزَمه به الشارِعُ، وكذلك لو حلَفَ على رَجلٍ أنْ لا يَقبَلَ له قَولًا ولا شَهادةً لِما يَعلمُ مِنْ فسقِه، ثم تابَ وصارَ مِنْ خِيارِ الناسِ؛ فإنَّه يَزولُ حُكمُ المَنعِ باليَمينِ كما يَزولُ حُكمُ المَنعِ مِنْ ذلك بالشَّرعِ، وكذلك إذا حلَفَ أنْ لا يَأكُلَ هذا الطَّعامَ أو لا يَلبَسَ هذا الثَّوبَ أو لا يُكلِّمَ هذه المَرأةَ ولا يَطأُها