بخِلافِ ما إذا ماتَ فإنَّه يَحنثُ؛ لأنَّه قد تَحقَّقَ فَواتُه، وإذا ماتَ قبلَ إِمكانِ رَفعِه إليه حنِثَ أيضًا؛ لأنَّه قد ماتَ فأَشبهَ ما لو حلَفَ ليَضربَنَّ عبدَه في غدٍ فماتَ العبدُ اليومَ، ويَحتمِلُ أنْ لا يَحنَثَ؛ لأنَّه لَم يَتمَكنْ مِنْ فِعلِ المَحلوفِ عليه فأَشبهَ المُكرهَ، وإنْ قُلنا: لا تَنحَلُّ يَمينُه بعَزلِه فرفَعَه إليه بعدَ عَزلِه برَّ بذلك، فإنِ اختَلفَ السَّببُ والنِّيةُ مثلَ أنِ امتَنَّت عليه امرَأتُه بغَزلِها فحلَفَ أنَّه لا يَلبسُ ثوبًا مِنْ غزلِها يَنوي اجتِنابَ اللّبسِ خاصةً دونَ الانتِفاع بثَمنِه وغيرِه قُدمَت النِّيةُ على السَّببِ وجهًا واحدًا؛ لأنَّ النِّيةَ وافَقت مُقتَضى اللَّفظِ وإن نَوى بيَمينِه ثوبًا واحدًا فكذلك في ظاهرِ كَلامِ الخِرقِي، وقالَ القاضِي: يُقدَّمُ السَّببُ؛ لأنَّ اللَّفظَ ظاهرٌ في العُمومِ، والسَّببُ يُؤكدُ ذلك الظاهِرَ ويُقويِه؛ لأنَّ السَّببَ هو الامتِنانُ وظاهرُ حالِه قَطعُ النِّيةِ، فلا يُلتَفتُ إلى نِيتِه المُخالِفةِ للظاهِرينَ، والأَولُ أَصحُّ؛ لأنَّ السَّببَ إنَّما اعتُبِرَ لدِلالتِه على القَصدِ فإذا خالَفَ حَقيقةَ القَصدِ لَم يُعتَبرْ فكانَ وُجودُه كعَدمِه فلَم يَبقَ إلا لَفظُه بعُمومِه، والنَّيةُ تَخصُّه على ما بيَّنَّاه فيما مَضى (١).
وللإمامِ ابنِ القَيمِ كَلامٌ طَويلٌ ومُفيدٌ في زَوالِ سَببِ اليَمينِ فقالَ ﵀:
المَخرَجُ العاشِرُ: مَخرَجُ زَوالِ السَّببِ، وقد كانَ الأَولى تَقديمُه على هذا المَخرَجِ لقوَّتِه وصِحتِه؛ فإنَّ الحُكمَ يَدورُ معَ علَّتِه وسَببِه وُجودًا
(١) «المغني» (١٠/ ٢٥، ٢٦)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٣٤)، و «الإنصاف» (١١/ ٥٠، ٥١)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣١٣، ٣١٥)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٣٩٣، ٣٩٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٢٤، ٤٢٧).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute