وذهَبَ المالِكيةُ والحَنابِلةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه إذا فعَلَ بعضَ المَحلوفِ على تَركِه في صِيغةِ البِرِّ حنِثَ، فمَن حلَفَ «لَا آكُلُ الرَّغيفَ أو هذا الطَّعامَ» فأكَلَ بعضَه ولو لُقمةً حنِثَ بفِعلِ البعضِ؛ لأنَّه منَعَ نفسَه مِنْ فِعلِ المَحلوفِ عليه، فوجَبَ أن يَمتنِعَ مِنْ كلِّ جُزءٍ منه كالنَّهيِ، والجامعُ المَنعُ فيهما.
أما إذا كانَت الصِّيغةُ صِيغةَ حِنثٍ وحلَفَ على فِعلِ شيءٍ ذِي أَجزاءٍ فلا يبَرُّ بفِعلِ البعضِ نحوَ:«واللهِ لآكُلنَّ هذا الطَّعامَ أو الرَّغيفَ»، أو «إنْ لَم آكُلْه فهي طَالِقٌ»، فلا يبَرُّ بفِعلِ البَعضِ.
قالً ابنُ بَشيرٍ: الحِنثُ يَدخلُ بأَقلِّ الوُجوهِ، والبِرُّ لا يَكونُ إلا بأَكملِ الوُجوهِ، والأصلُ في ذلك أنَّ اللهَ سُبحانَه أَباحَ المُطلَّقةَ ثَلاثًا بعدَ زوجٍ فلَم تَحلَّ له بعدَ العَقدِ عليها دونَ الدُّخولِ وحرَّمَ ما نكَحَ الآباءُ والأَبناءُ مِنْ
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٢٦)، و «المهذب» (٢/ ١٣٩)، و «البيان» (١٠/ ٥٦٩، ٥٧٠)، و «الكافي» (٤/ ٤١٤)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٣٧، ٣٣٨)، و «مطالب أولي النهى» (٥/ ٤٥١، ٤٥٢)، و «الروض المربع» (٢/ ٦١٢، ٦١٣)، و «جواهر العقود» (٢/ ٢٦٥).