للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقِسمُ الثانِي: أن يَكونَ عُرفُ الحالِفِ جارِيًا بالاستِنابةِ دونَ مُباشرتِه، وإنْ باشرَه استَنكرَتْه النُّفوسُ منه، كالسُّلطانِ أو مَنْ قارَبَه في رُتبتِه إذا حلَفَ، ولا باعَ ولا اشتَرى، ولا ضرَبَ عبدًا، ولا أدَّبَ خادِمًا، فإذا وكَّلَ في البَيعِ والشِّراءِ وأمَرَ بضَربِ عبدِه وبأَدبِ خادِمِه ففي حِنثِه قَولانِ:

أَحدُهما: تَفرَّدَ الرَّبيعُ بنَقلِه وتَفرَّدَ به بعضُ أَصحاب الشافِعيِّ، أنَّه يَحنثُ اعتِبارًا بالعُرفِ؛ لأنَّ العُرفَ قد صارَ مُقتَرنًا بالمَجازِ دونَ الحَقيقةِ، والعُرفُ ناقلٌ، كما لو حلَفَ: لا أكَلتُ رُؤوسًا، لَم يَحنثْ برُؤوسِ الطَّيرِ والجَرادِ، وإنْ وجَدَ حَقيقةَ الاسمِ فيها؛ لأنَّ العُرفَ لمَّا اختَصَّ برُؤوسِ الغَنمِ نقَلَ عمَّا عَداها حَقيقةَ الاسمِ.

والقولُ الثانِي: وهو الأَظهرُ، وما عليه الأَكثَرونَ مِنْ أَصحابنا أنَّه لا يَحنثُ؛ لأنَّ الحَقيقةَ فيها المُباشرةُ لها دونَ الأَمرِ بها، والحَقيقةُ لا تُنقَلَ إلا بعُرفٍ عامٍّ، كما قيلَ في الرُّؤوسِ، وهذا عُرفٌ خاصٌّ، فلَم يَجزْ أنْ يَنتقِلَ به الحَقيقةُ، كما لو حلَفَ سُلطانٌ: لا أكَلتُ خُبزًا ولا لبِستُ ثوبًا، فأكَلَ خُبزَ الذُّرةِ ولبِسَ عَباءةً حنِثَ وإنْ لَم تَجزْ عادتُه بأَكلِ الذُّرةِ ولبْسِ العَباءةِ؛ لأنَّه عُرفٌ خاصٌّ وليسَ بعامٍّ، فلذلك ساوَى فيه عُرفَ العُمومِ فكذلك في هذه العُقودِ.

والقِسمُ الثالِثُ: أنْ يَكونَ عُرفُ الحالفِ جارِيًا بالاستِنابةِ فيه، لكنْ إنْ باشرَه لَم تَستنَكرْه النُّفوسُ منه، ولا تَستَقبحُه، كالنِّكاحِ والطَّلاقِ والعِتاقِ، لا يُستَقبحُ مِنْ السُّلطانِ أنْ يُباشرَه بنَفسِه، فإذا حلَفَ سُلطانٌ لا نكَحَ ولا طلَّقَ ولا أَعتَقَ، فوكَّلَ في النِّكاحِ والطَّلاقِ والعِتاقِ فقد اختَلف أَصحابنا هل

<<  <  ج: ص:  >  >>