أَحدُها: أنْ يَكونَ عُرفُ الحالِفِ جارِيًا بمُباشرتِه، كرَجلٍ مِنْ عَوامِّ السوقةِ حلَفَ لا باعَ ولا اشتَرى، ولا تَزوَّجَ ولا طلَّقَ، ولا ضرَبَ عبدًا، ولا أدَّبَ خادِمًا، فإذا أمَرَ غيرَه بأنْ باعَ له واشتَرى وزوَّجَه وطلَّقَ عنه وضرَبَ عبدَه وأدَّبَ خادِمَه لَم يَحنثْ في هذا كلِّه، وقالَ مالكٌ: يَحنثُ في هذا كلِّه، وقالَ أَبو حَنيفةَ: إنْ كانَ هذا العَقدُ ممَّا إذا باشرَه الوَكيلُ أَضافَه إلى نفسِه كالشِّرى، يَقولُ:«اشتَريتُ هذه الدارَ لمُوكِّلِي» لَم يَحنثِ المُوكلُ، وإنْ كانَ مما لا يُضيفُه إلى نفسِه كالنِّكاحِ يَقولُ: قبِلتُ هذا النِّكاحَ لمُوكِّلِي، ولا يَقولُ: نكَحتُ لمُوكِّلِي، كما يَقولُ: اشتَريتُ لمُوكِّلِي حنِثَ المُوكلُ، وكِلا المَذهبَينِ مَدخولٌ، والصَّحيحُ أنَّ جَميعَها سَواءٌ في أنَّه لا يَحنثُ الآمرُ بها والمُوكلُ فيها إذا كانَ العُرفُ بمُباشرتِه لها جارِيًا؛ لأنَّ الأَيمانَ تُحمَلُ على حَقائقِ الأَسماءِ والأَفعالِ، ما لَم يَنقلْها عُرفُ الحَقيقةِ في هذه الأَفعالِ بمُباشرتِها، والعُرفُ مُقتَرنٌ بها، فلَم يَجزْ أنْ يَعدلَ في الأمرِ بها عن الحَقيقةِ والعُرفِ إلى مَجازٍ تَجرَّدَ عن العُرفِ فعلى هذا لو حلَفَ على امرَأتِه أنَّه لا يُطلِّقُها، فردَّ إليها الطَّلاقَ، فطلَّقَت نفسَها لَم يَحنثْ؛ لأنَّه لا يَكونُ مُطلِّقًا، وإنَّما يَكونُ مُخيِّرًا في الطَّلاقِ، ولو قالَ لها:«إن دخَلتِ الدارَ فأنتِ طالقٌ»، فدخَلْتَها طَلقَتْ وحنِثَ؛ لأنَّه مُطلِّقٌ لها على صفةٍ وقَعَت منها فلذلك افتَرقا.