للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأنَّ حُقوقَ هذه الأَشياءِ تَرجِعُ إلى العاقِدِ دُونَ الآمرِ، فأما إذا نَوى ذلك حنِثَ؛ لأنَّه شدَّدَ على نفسِه وإنْ كانَ الوَكيلُ هو الحالِفُ لأنَّه التَزمَ حُقوقَ هذا العَقدِ، وإنْ كانَ الحالِفُ ممَّن جرَتْ عادَتُه أنْ لا يَتولَّى ذلك بنَفسِه، مثلَ السُّلطانِ ونَحوِه، فأمَرَ غيرَه أنْ يَفعلَ ذلك حنِثَ؛ لأنَّ يَمينَه على الآمِرِ به، فإنْ نَوى أنْ لا يَتولَّاه بنَفسِه دُيِّنَ في القَضاءِ؛ لأنَّه نَوى حَقيقةَ كَلامِه.

وإنْ حلَفَ لا يَتزوَّجُ أو لا يُطلِّقُ فوكَّلَ مَنْ فعَلَ ذلك حنِثَ، وكذا الخُلعُ والصُّلحُ مِنْ دمِ العَمدِ والهِبةُ والصَّدقةُ والكِسوةُ والنَّفقةُ؛ لأنَّ الوَكيلَ في هذه الأَشياءِ سَفيرٌ ومُعبِّرٌ، ولهذا لا يُضيفُه إلى نَفسِه، لا يَقول: تزَوَّجتُ، وإنَّما يَقول: زوَّجتُ فُلانًا وطلَّقتُ امرَأةَ فُلانٍ، وحُقوقُ العَقدِ راجِعةٌ إلى الآمرِ لا إليه، فإنْ قالَ الآمِرُ: «نَويتُ أنْ أَلِيَ ذلك بنَفسِي» لا يُديَّنُ في القَضاءِ ويُديَّنُ فيما بينَه وبينَ اللهِ تَعالى.

ولو حلَفَ لا يَذبَحُ شاتَه فأمَرَ إِنسانًا ففعَلَ ذلك حنِثَ، وإنْ قالَ: «نَويتُ أنْ أَلِيَه بنَفسِي» دُيِّنَ في القَضاءِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إذا حلَفَ لا أَفعلُ شَيئًا فأمَرَ غيرَه ففعَلَه، حنِثَ إنْ لَم يَنوِ تَوليتَه ومُباشَرتَه بنَفسِه، أيَّ فعلٍ كانَ ممَّا تَصحُّ فيه النِّيابةُ؛ لأنَّ الفِعلَ إذا كانَ ممَّا يَصحُّ فيه النِّيابةُ فالإِطلاقُ مُشتَركٌ بينَ تَوليتِه بنَفسِه وبينَ وُقوعِه بالنِّيابةِ، ولأنَّ الإِنسانَ يُطلقُ القَولَ بأنَّه قد اشتَرى طَعامًا


(١) «المبسوط» للشيباني (٣/ ٣٤٧)، و «مختصر اختلاف العلماء» (٣/ ٢٧٤، ٢٧٥)، و «تبيين الحقائق» (٣/ ١٤٨)، و «البحر الرائق» (٤/ ٣٧٧)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٦٣، ٦٤)، و «اللباب» (٢/ ٤٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>