للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعتِبارًا للسَّيرِ المُعتادِ، وهذا القولُ يُوافِقُ المَذاهبَ السابقةَ؛ لأنَّ أبا حَنيفةَ عَدَّ العِلةَ هي قَطعُ المَسافةِ.

قالَ الكاسانِيُّ : عن أَبي حَنيفةَ فيمَن سارَ في الماءِ يَومًا، وذلك في البَرِّ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، أنَّه يَقصُرُ الصَّلاةَ؛ لأنَّه لا عِبرةَ بِالإسراعِ، وكذا لو سارَ في البَرِّ إلى مَوضعٍ في يَومٍ أو يومَينِ، وأنَّه بسَيرِ الإبلِ والمَشيِ المُعتادِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، يَقصُرُ اعتبارًا لِلسَّيرِ المُعتادِ، وعلى هذا إذا سافَرَ في الجِبالِ والعَقَباتِ أنَّه يُعتبَرُ مَسيرةُ ثَلاثةِ أيَّامٍ فيها، لا في السَّهلِ؛ فالحاصِلُ أنَّ التَّقديرَ بمَسيرةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ، أو بالمَراحلِ في السَّهلِ والجَبَلِ والبَرِّ والبَحرِ، ثم يُعتبَرُ في كلِّ ذلك السَّيرُ المُعتادُ فيه، وذلك مَعلومٌ عندَ الناسِ، فيُرجَعُ إليهم عندَ الاشتِباهِ، والتَّقديرُ بالفَراسِخِ غيرُ سَديدٍ؛ لأنَّ ذلك يختلِفُ باختِلافِ الطَّريقِ.

وقالَ أبو حَنيفَةَ: إذا خرَجَ إلى مِصرٍ في ثَلاثةِ أيَّامٍ، وأَمكَنه أن يَصلَ إليه مِنْ طَريقٍ آخرَ في يَومٍ واحدٍ، قصرَ … ؛ لأنَّ الحُكمَ مُعلَّقٌ بالسَّفرِ، فكانَ المُعتبَرُ مَسيرةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ على قَصدِ السَّفرِ، وقد وُجدَ (١).

لكنَّ الكَمالَ بنَ الهُمامِ عَدَّ العِلةَ لقَصرِ الصَّلاةِ في السَّفرِ هي المَشقَّةُ التي تَلحَقُ بالمُسافرِ، ولذلك يَذكُرُ أنَّ المُسافِرَ لو قطَعَ المَسافَةَ في ساعةٍ صَغيرةٍ، فإنَّه لا يَقصُرُ الصَّلاةَ، وإن كانَ يَصدُقُ عليه أنَّه قطَعَ مَسافَةَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ بسَيرِ الإبلِ؛ لانتِفاءِ مَظِنةِ المَشقَّةِ، وهي العِلةُ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٤).
(٢) «شرح فتح القدير» (٢/ ٣٠، ٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>