للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَعلمَه الحاكمُ أو لا يَعلُمه. ولقَولِه للحَضرميِّ: «شاهداكَ أو يَمينُه، ليسَ لك إلا ذلك» (١).

فاقتضى أنَّه لا يَجوزُ الحُكمُ بغيرِ ذلك، فدلَّ على انتفاءِ الحُكم بالعلمِ.

ورُويَ: أنَّ رَجلًا ادَّعى على رَجلٍ عندَ عُمرَ حقًّا، فقالَ عُمرُ: «مَنْ يَشهدُ لكَ؟» فقالَ: أنت، فقالَ عُمرُ: «إنْ شئْتَ شهَدْتُ لك ولمْ أَحكمْ، وإنْ شئْتَ حكَمْتُ لك ولمْ أَشهدْ». ولأنَّه لو كانَ عِلمُ الحاكمِ بمَنزلةِ الشاهدينِ لانعَقدَ النِّكاحُ به وَحدَه.

ولمَا رَوتْ أُم سَلمةَ أنَّ رَسولَ اللهِ قالَ: «إنما أنا بَشرٌ، وإنَّكم تَختصمونَ إليَّ، ولعلَّ بعضَكم أنْ يَكونَ أَلحنَ بحُجتِه مِنْ بعضٍ، فأَقضيَ له نَحوَ ما أَسمعُ، فمَن قَضيتُ له بحقِّ أَخيه فإنما أَقطعُ له قِطعةً مِنَ النارِ» (٢). وظاهرُه أنَّه لا يَحكمُ إلا بما يَسمعُ في حالِ حُكمِه، وقد رُويَ: «وإنما أَحكمُ» وهذا صَريحٌ أو كالصَّريحِ في أنَّه لا يَحكمُ إلا بما يَسمعُ.

قَولُه في حَديثِ هِلالِ بنِ أُميةَ لمَّا لاعَنَ زَوجتَه: «أَبصِروه فإنْ جاءَتْ به -يَعني الوَلدَ- على نَعتِ كذا فهو لهِلالٍ، وإنْ جاءَتْ به على نَعتِ كذا فهو لشَريكٍ» فجاءَتْ به على النَّعتِ المَكروهِ، فقالَ النَّبيُّ: «لو رجَمْتُ أَحدًا بغيرِ بَينةٍ رجَمْتُ هذه» (٣). فلمْ يَحكمْ بعِلمِه، لعَدمِ قيامِ البَينةِ.


(١) أخرجه البخاري (٢٣٨٠)، ومسلم (١٣٩)، وأحمد (١٨٨٨٣).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٤٨)، ومسلم (١٧١٣).
(٣) أخرجه البخاري (٥٠٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>