للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولَيالِيها؛ لمَا رُويَ عن النَّبيِّ قالَ: «يَمسَحُ المُقِيمُ يَومًا ولَيلةً، والمُسافِرُ ثَلاثةَ أيَّامٍ ولَياليهُنَّ» (١).

ووَجهُ التَّمسُّكِ بهذا الحَديثِ أنَّه يَقتَضيَ أنَّ كلَّ مَنْ صدَقَ عليه أنَّه مُسافِرٌ، شُرعَ له مَسحُ ثَلاثةِ أيَّامٍ؛ إذِ اللَّامُ في قولِه: «وللمُسَافرِ»، للِاستِغراقِ، كما في جانِبِ المُقيمِ، ولا يُتصوَّرُ ذلك إلا إذا قدَّرَ أقَلَّ مدَّةِ السَّفرِ بثَلاثةِ أيَّامٍ؛ لأنَّه لو قدَّرَ بأقَلَّ مِنْ ذلك لا يُمكِنُه استِيفاءُ مدَّتِه؛ لانتِهاءِ سَفرِه، فاقتَضى تَقديرَه به ضَرورةً، وإلا لخرَجَ بعضُ المُسافِرينَ عنه. وبقولِ النَّبيِّ : «لَا يَحِلُّ لِامرَأةٍ تُؤمنُ باللَّهِ واليَومِ الآخرِ أَنْ تُسافِرَ مَسيرَةَ ثَلاثةِ أيَّامٍ إلَّا مع زَوجٍ أو ذِي مَحرَمٍ» (٢)، فلو لم تكُنِ المدَّةُ مُقدَّرةً بالثَّلاثةِ لم يَكنْ لتَخصِيصِ الثَّلاثةِ مَعنًى (٣).

وقدِ استَحبَّ الإمامُ الشافِعيُّ هذا؛ خُروجًا مِنْ الخِلافِ، فقالَ: وأحِبُّ ألَّا يَقصُرَ في أقَلَّ مِنْ ثَلاثةِ أيَّامٍ (٤).

والعِبرةُ في السَّيرِ بالسَّيرِ الوَسَطِ، وهو سَيرُ الإبِلِ المُثقلَةِ بالأَحمالِ، ومَشيُ الأَقدامِ على ما يُعتادُ مِنْ ذلك، مع ما يَتخلَّلُه مِنْ نُزولٍ واستِراحةٍ وأكلٍ وصَلاةٍ. والسَّيرُ في البَحرِ يُراعَى فيه اعتِدالُ الرِّياحِ؛ لأنَّه هو الوَسَطُ، وهو ألا تَكونَ الرِّياحُ غالِبةً ولا ساكِنَةً.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: تَقدَّمَ.
(٢) رواه البُخاري (١٠٨٩)، ومسلم (١٣٣٨).
(٣) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٣، ٩٤)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٢٠٩)، و «الاختيار» (١/ ٩٧)، و «مُختصَر القُدوري» (٣٨)، و «الإفصاح» (١/ ٢١٨).
(٤) «المجموع» (٥/ ٤٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>