وذكَرَ الحَسنُ بنُ زيادٍ في أَدبِ القاضِي له: «الجاهلُ بالعِلمِ إذا استَفتى فَقيهًا فأَفتاه بقَولِ أَحدٍ أخَذَ بقَولِه ولا يَسعُه أنْ يَتعدى إلى غيرِه، وإنْ كانَ في المِصرِ فَقيهانِ كلاهُما رِضا يَأخذُ عنهما، فإنِ اختلَفا عليه فليَنظرْ أيَّهما يَقعُ في قَلبِه أنَّه أَصوبُهما وسِعَه أنْ يَأخذَ به، فإنْ كانوا ثَلاثةَ فُقهاءَ واتفَقَ اثنانِ أخَذَ بَقولِهما ولا يَسعُه أنْ يَتعدى إلى قَولِ الثالثِ، وإنِ اختلَفُوا ولمْ يَتفقِ اثنانِ منهم على شَيءٍ اجتَهدَ هو ورَأيُه فيما أَفتوه فيه، فأيُّهم كانَ أَصوبَ عندَه قَولًا عمِلَ بذلك، وليسَ له أنْ يَعملَ بقَولِ غيرِ واحدٍ منهم».
وقالَ أَبو العَباسِ الناطفيِّ: «هذا إذا كانَ المُستفتي على مَذهبِ أَهلِ العِراقِ أَفتى عالمٌ بقَولِ أَبي حَنيفةَ ﵀ وأَفتى عالمٌ بقَولِ أَبي يُوسفَ وأَفتى عالمٌ بقَولِ مُحمدٍ أو بقَولِ زُفرٍ فليسَ له أنْ يَأخذَ بقَولِ الشافِعيِّ ولا بقَولِ مالِكٍ، وله أنْ يَأخذَ بقَولِ القاضِي إذا حكَمَ عليه بخِلافِ مَذهبِه.
وإنْ كانَ في المِصرِ قَومٌ مِنْ أَهلِ الفِقهِ شاورْهم في ذلك؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ رَسولَه بذلك بقَولِه تَعالى: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] والقاضِي لا يَكونُ أَفطنَ في نَفسِه مِنْ الرَّسولِ ﷺ، فإنِ اتفَقُوا على شَيءٍ وكانَ رَأيُه كرَأيهم فصَلَ الحُكمَ، وإنِ اختلَفُوا نظَرَ إلى أَقربِ الأَقوالِ مِنْ الحَقِّ وأَمضى ذلك، وإنْ كانَ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ، ولا يُعتبرُ السِّنُّ. فإذا اجتمَعَ فُقهاءُ البَلدِ على شَيءٍ وكانَ رَأيُه خِلافَ ذلك فلا يَنبغي أنْ يَعجلَ بالحُكمِ حتى يَكتبَ فيه إلى غيرِهم ويُشاورَهم» (١).
(١) «معين الحكام» (١/ ٢٧)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٣١٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute