للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ القاضِي إذا لمْ يَكنْ مُجتهدًا يَجبُ عليه أنْ يَحكمَ بقَولِ مُقلِّدِه بالراجِحِ مِنْ مَذهبِه لا بقَولِ غيرِه ولا بالضَّعيفِ، فإذا حكَمَ بالضَّعيفِ نُقضَ حُكمُه إلا إذا لمْ يَشتدَّ ضَعفُه وكانَ الحاكمُ مِنْ أَهلِ التَّرجيحِ وترجَّحَ عندَه ذلك الحُكمُ بمُرجِّحٍ مِنْ المُرجِّحاتِ فلا يُنقضَ، كما لو قاسَ عندَ عَدمِ النَّصِّ وهو أَهلٌ للقياسِ.

وكذا المُفتي لا يَجوزُ له الإِفتاءُ إلا بالراجحِ مِنْ مَذهبِ إِمامِه لا بمَذهبِ غيرِه ولا بالضَّعيفِ مِنْ مَذهبِه، ويَجوزُ له العَملُ بالضَّعيفِ مِنْ مَذهبِه في خاصةِ نَفسِه إذا تحقَّقَتِ الضَّرورةُ، ولا يَجوزُ للمُفتي الإِفتاءُ بغيرِ المَشهورِ؛ لأنَّه لا يَتحققُ الضَرورةُ بالنِّسبةِ لغيرِه كما يَتحققُها مِنْ نَفسِه، ولذلك سَدُّوا الذَّريعةَ وقالوا بمَنعِ الفَتوى بغيرِ المَشهورِ خَوفَ ألَّا تَكونَ الضَّرورةُ مُتحقِّقةً لا لأجلِ أنَّه لا يُعملُ بالضَّعيفِ ولو تحقَّقَتِ الضَّرورةُ يَومًا، وعلى هذا فإنَّه يَجوزُ للمُفتي أنْ يُفتي صَديقَه بغيرِ المَشهورِ إذا تحقَّقَ ضَرورتَه؛ لأنَّ شَأنَ الصَّديقِ لا يَخفى على صِديقِه.

قالَ الصَّاوي : «ويَجوزُ للإِنسانِ أنْ يَعملَ بالضَّعيفِ لأِمرٍ اقتضى ذلك عندَه، وقيلَ: بل يُقلدُ قَولَ الغيرِ إذا كانَ راجِحًا في مَذهبِ ذلك الغيرِ.

فإنْ قيلَ: ما فائدةُ ذِكرِ الأَقوالِ الضَّعيفةِ في كَلامِهم إذا كانَ لا يَجوزُ العَملُ بها ولا الفَتوى؟

قلْنا: أُمورٌ ثَلاثةٌ:

الأَولُ: اتِّساعُ النَّظرِ والعِلمِ بأنَّ الراجحَ المَذكورَ ليسَ بمُتَّفقٍ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>