للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه لا يَصحُّ التَّحكيمُ في الحُدودِ والقِصاصِ؛ لأنَّهما لا يَملكانِ إِباحةَ دَمهما فلا يَجوزُ حُكمُ المُحكَّمِ فيهما لتَوقفِ حُكمِه على صِحةِ تَحكيمِهما.

وقيلَ: إنَّ حُكمَه بمَنزلةِ الصُّلحِ فيما يَجوزُ فيه الاستيفاءُ بالصُّلحِ، واستيفاءُ الحَدِّ والقَودِ غيرُ مَشروعٍ بالصُّلحِ فلا يَجوزُ التَّحكيمُ فيهما.

ويَصحُّ التَّحكيمُ في سائرِ المُجتهداتِ وغيرِها الذي هو الثابتُ بالكِتابِ والسُّنةِ والإِجماعِ بالطَّريقِ الأَولى إلا في الحَدِّ والقَودِ.

ولو حكَّماه في دَمِ خَطأٍ فحكَمَ بالدِّيةِ على العاقلةِ لا يَنفذُ؛ لأنَّ حُكمَ المُحكَّمِ لا يَنفذُ في حَقِّ المُحكِّمينَ ولا يَنفذُ إذا في حَقِّ العاقلةِ؛ لأنَّهم ما رَضُوا بحُكمِه، كما لو حكَّما في عَيبِ مَبيعٍ فقَضى برَدِّه، ليسَ للبائعِ أنْ يَردَّه على بائعِه إلا أنْ يَرضى البائعُ الأَولُ والثَّاني والمُشتري بتَحكيمِه (١).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ التَّحكيمَ جائزٌ في كلِّ شَيءٍ إلا في حَدٍّ ولِعانٍ وقَتلٍ ووَلاءٍ وطَلاقٍ وعِتقٍ؛ لأنَّه يَتعلقُ بها حَقٌّ لغيرِ الخَصمينِ إمَّا للهِ تَعالى وإما لآدميٍّ، ففي اللِّعانِ حَقٌّ للوَلدِ لقَطعِ النَّسبِ وكذلك النَّسبُ والوَلاءُ، وفي الطَّلاقِ والعِتقِ حَقٌّ للهِ تَعالى؛ إذ لا يَجوزُ بَقاءُ المُطلَّقةِ البائنِ في العِصمةِ ولا رَدُّ العَبدِ في الرِّقِّ.


(١) «شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (٨/ ٦٦، ٦٩)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٢٦٧، ٢٦٨)، و «البحر الرائق» (٧/ ٢٦)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٢٤١)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢١٥، ٢١٨)، و «اللباب» (٢/ ٤٩٠، ٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>