للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ بابِ الوِلايةِ، فكلُّ مَنْ كانَ مِنْ أَهلِ الشَّهادةِ يَكونُ أَهلًا للقَضاءِ، وهي أَهلٌ للشَّهادةِ في غيرِ الحُدودِ والقِصاصِ، فهي أَهلٌ للقَضاءِ في غيرِهما.

إلا أنَّه يُكرهُ؛ لمَا فيه مِنْ مُحادثةِ الرِّجالِ، ومَبنى أَمرهنَّ على السَّتْرِ.

ويَأثمُ المُولِّي لها؛ لحَديثِ: «لا يُفلحُ اللهُ قَومًا ولوا أَمرَهم امرَأةً».

فإذا حكَمَتْ بينَ خَصمينِ، فقَضَتْ قَضاءً مُوافقًا لدينِ اللهِ يَنفذُ، وإذا حكَمَتْ في حَدٍّ أو قَودٍ، فرُفعَ إلى قاضٍ آخرَ يَرى جَوازَه فأَمضاه فليسَ لغيرِه إِبطالُه.

قالَ الإِمامُ ابنُ الهُمامِ : «والكَلامُ فيما لو وُليتْ وأثِمَ المُقلدُ بذلك أو حكَّمَها خَصمانِ فقَضَتْ قَضاءً مُوافقًا لدينِ اللهِ أكانَ يَنفذُ أم لا؟ لمْ يَنتهضِ الدَّليلُ على نَفيه بعدَ مَوافقتِه ما أنزَلَ اللهُ، إلا أنْ يَثبتَ شَرعًا سَلبُ أَهليتِها، وليسَ في الشَّرعِ سِوى نُقصانِ عَقلِها، ومَعلومٌ أنَّه لمْ يَصلْ إلى حَدِّ سَلبِ وِلايتِها بالكُليةِ ألَا تَرى أنَّها تَصلحُ شاهِدةً وناظِرةً في الأَوقافِ ووَصيةً على اليَتامى، وذلك النُّقصانُ بالنِّسبةِ والإِضافةِ، ثُم هو مَنسوبٌ إلى الجِنسِ فجازَ في الفَردِ خِلافُه، ألا تَرى إلى تَصريحِهم بصِدقِ قَولِنا: «الرَّجلُ خَيرٌ مِنْ المَرأةِ» معَ جَوازِ كَونِ بعضِ أَفرادِ النِّساءِ خَيرٌ مِنْ بَعضِ أَفرادِ الرِّجالِ، ولذلك النَّقصِ الغَريزيِّ نسَبَ لمَن يُوليهنَّ عَدمَ الفَلاحِ، فكانَ الحَديثُ مُتعرِّضًا لمُولِّينَّ ولهن بنَقصِ الحالِ، وهذا حَقٌّ، لكنَّ الكلامَ فيما لو وُليَتْ فقَضَتْ بالحَقِّ لماذا يَبطلُ ذلك الحَقُّ» (١).


(١) «شرح فتح القدير» (٧/ ٢٩٨)، وينظر: «بدائع الصنائع» (٧/ ٣)، و «الهداية» (٣/ ١٠٧)، و «الاختيار» (٢/ ١٠٠)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٢٠٩)، و «اللباب» (٢/ ٤٨٥)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٢٣٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٥/ ٤٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>