للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلا أنَّ الفُقهاءَ اختلَفُوا فيما لو كانَ يَستحقُّ الباذلُ للرِّشوةِ أو المالِ مُستحقًا للقَضاءِ، لكنَّه لا يَستطيعُ أنْ يَحصلَ على مَنصبِ القاضِي إلا بدَفعِ الرِّشوةِ، هل يَجوزُ له بَذلُ المالِ لتَحصيلِ القَضاءِ أم يَحرمُ مُطلقًا؟

فنصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في الجُملةِ عندَهم على تَفصيلٍ يَأتي بَيانُه- إلى أنَّه يَجوزُ بَذلُ المالِ والرِّشوةِ إذا تعيَّنَ للقَضاءِ ولمْ يَستطعْ أنْ يَتولى إلا برِشوةٍ.

قالَ ابنُ نُجيمٍ الحَنفيُّ : «لمْ أَرَ حُكمَ ما إذا تعيَّنَ -أي تعيَّنَ عليه القَضاءُ- ولمْ يُولَّ إلا بمالٍ، هل يَحلُّ بَذلُه؟ وكذا لمْ أَرَ حُكمَ جَوازِ عَزلِه، ويَنبغي أنْ يَحلَّ بَذلُه للمالِ كما حلَّ طَلبُه، وأنْ يَحرمَ عَزلُه حيثُ تعيَّنَ، وألَّا يَصحَّ عَزلُه» (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ عابدِين بعدَما نقَلَ كَلامَ ابنِ نُجيمٍ : «قالَ في النَّهرِ: هذا ظاهرٌ في صِحةِ تَوليتِه، وإِطلاقُ المُصنِّفِ يَعني قَولَه: «ولو أخَذَ القَضاءَ بالرِّشوةِ لا يَصيرُ قاضيًا» يَردُّه، وأمَّا عَدمُ صِحةِ عَزلِه فمَمنوعٌ» (٢).

وأمَّا المالِكيةُ فيَرى الإِمامُ الدِّرديرُ أنَّه يَجوزُ بَذلُ المالِ في طَلبِ القَضاءِ في ثَلاثةِ أَحوالٍ:

الأَولُ: أنْ يَكونَ مُتعينًا عليه.


(١) «البحر الرائق» (٦/ ٢٩٧، ٢٩٨).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٥/ ٣٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>