للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دخَلَت في دارِ الإسلامِ ووَطِئَها والنَّسَبُ يُحتاطُ لإِثباتِه، ولهذا لو وَلَدَت امرأةُ رَجلٍ وهو غائِبٌ عنها بعدَ عِشرينَ سَنةً مِنْ غَيبَتِه لَحِقَه، وإنْ لم يُعرَفْ له قُدومٌ إليها، ولا عرَفَ لَها خُروجٌ مِنْ بَلَدِها (١).

وذهَبَ بعضُ المالِكيةِ وبَعضُ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ إلى أنَّ المَرأةَ إذا ادَّعَت وَلدًا فإنَّه يُقبَلُ منها ويَصحُّ إِقرارُها به، ولا يَلحَقُ الزَّوجَ؛ لحَديثِ أبي هُرَيرةَ أنَّه سمِعَ رَسولَ اللهِ يَقولُ: كانَت امرَأتانِ معهما ابناهُما جاءَ الذِّئبُ فذهَبَ بابنِ إِحداهما، فقالَت لصاحِبَتِها: إنَّما ذهَبَ بابنِكِ، وقالَت الأُخرى: إنَّما ذهَبَ بابنِكِ، فتَحاكَمَتا إلى داوُدَ فقَضى به للكُبرى، فخرَجَتا على سُلَيمانَ بنِ داوُدَ فأخبَرَتاه، فقالَ: ائْتُوني بالسِّكِّينِ أشُقُّه بينَهما، فقالَت الصُّغرى: لا تَفعَلْ يَرحَمُك اللَّهُ، هو ابنُها، فقَضى به للصُّغرى» قالَ أبو هُرَيرةَ: واللَّهِ إنْ سَمِعتُ بالسِّكِّينِ قَطُّ إلا يَومَئِذٍ، وما كُنَّا نَقولُ إلا المُديةَ (٢).

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : وإنْ كانَ المُدَّعي امرَأةً اختُلِفَ عن أحمدَ فرُويَ أنَّ دَعوَتَها تُقبَلُ ويَلحَقُها نَسبُه؛ لأنَّها أحَدُ الأبَوينِ، فثبَتَ النَّسبُ بدَعواها كالأبِ، ولِأنَّه يُمكِنُ أنْ يَكونَ منها كما يَكونُ وَلَدُ الرَّجلِ، بل أكثَرَ، لأنَّها تَأتي به مِنْ زَوجٍ ووَطءٍ بشُبهةٍ ويَلحَقُها وَلَدُها مِنْ الزِّنا دونَ الرَّجلِ.

ولأنَّ في قِصةِ داوُدَ وسُلَيمانَ حينَ تَحاكَمَ إليهما امرَأتانِ كانَ لهما ابنانِ فذهَبَ الذِّئبُ بأحَدِهما، فادَّعَت كلُّ واحِدةٍ منهما أنَّ الباقيَ


(١) «المغني» (٥/ ١٢٠).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٨٧)، ومسلم (١٧٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>