للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفيه وَجهٌ آخَرُ: أنَّه لا يَثبُتُ النَّسبُ؛ لأنَّه أنكَرَه بعضُ الوَرثةِ فلم يَثبُتْ نَسبُه كما لو لم يَمُتْ بخِلافِ ما إذا كانَ شَريكُه غيرَ مُكلَّفٍ فإنَّه لم يُنكِرْه وارِثٌ، وهذا إذا كانَ المُقِرُّ يَحوزُ جَميعَ المِيراثِ بعدَ المَيِّتِ، فإنْ كانَ للمَيِّتِ وارِثٌ سِواه أو مَنْ يُشارِكُه في المِيراثِ لم يَثبُتِ النَّسبُ بقَولِ الباقي منهما وَجهًا واحِدًا؛ لأنَّه ليسَ كُلَّ الوَرثةِ، ويَقومُ الوارِثُ المَيتُ الثانِي مَقامَه، فإذا وافَقَ المُقِرُّ في إِقرارِه ثبَتَ النَّسبُ، وإنْ خالَفَه لم يَثبُتْ كالمَوروثِ.

وإنْ خلَّفَ وَلدَينِ فأقَرَّ أحَدُهما بأخٍ وأنكَرَه الآخَرُ ثم ماتَ المُنكِرُ وخلَّفَ ابنًا فأقَرَّ الذي أنكَرَه أبوه ثبَتَ نَسَبُه لإِقرارِ جَميعِ الوَرثةِ به، ويُحتمَلُ ألَّا يَثبُتَ لإِنكارِ المَيتِ لَه (١).

وقالَ الإمامُ الكاسانِيُّ: وأمَّا الإِقرارُ بالنَّسَبِ فهو الإِقرارُ بالوارِثِ.

وهو نَوعانِ: أحَدُهما إِقرارُ الرَّجُلِ بوارِثٍ، والثانِي: إِقرارُ الوارِثِ بوارِثِه ويَتعلَّقُ بكُلِّ واحِدٍ منهما حُكمانِ: حُكمُ النَّسبِ وحُكمُ المِيراثِ، أمَّا الإِقرارُ بوارِثٍ فلصِحَّتِه في حَقِّ ثَباتِ النَّسبِ شَرائطُ:

منها: أنْ يَكونَ المُقَرُّ به مُحتمَلَ الثُّبوتِ؛ لأنَّ الإِقرارَ إِخبارٌ عن كائِنٍ، فإذا استَحالَ كَونُه فالإِخبارُ عن كائِنٍ يَكونُ كَذِبًا مَحضًا.

وبَيانُه أنَّه مَنْ أقَرَّ بغُلامٍ أنَّه ابنُه ومِثلُه لا يَلِدُ مِثلَه لا يَصحُّ إِقرارُه لأنَّه يَستَحيلُ أنْ يَكونَ ابنًا له، فكانَ كَذبًا في إِقرارِه بيَقينٍ.


(١) «المغني» (٥/ ١١٦، ١١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>