للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾ [الأعراف: ١٢]، وإذا لم يَكنْ مَأمورًا فلِمَ أنكَسَه اللَّهُ وأهبَطَه ودحَرَه ولم يَأمُرِ اللَّهُ تَعالى بالسُّجودِ إلا المَلائِكةَ؟

فإنْ قالوا: بل قد تَناوَلَ الأمرُ المَلائِكةَ ومَن كانَ معهم فدخَلَ إِبليسُ في الأمرِ لكَونِه معهم، قُلنا: قد سقَطَ استِدلالُكم فإنَّه متى كانَ داخِلًا في المُستَثنى منه مَأمورًا بالسُّجودِ فاستِثناؤُه مِنْ الجِنسِ، وهذا ظاهِرٌ لمَن أنصَفَ إنْ شاءَ اللَّهُ تَعالى، فعلى هذا متى قالَ: «له علَيَّ ألفُ دِرهَمٍ إلا ثَوبًا» لزِمَه الألفُ وسقَطَ الاستِثناءُ بمَنزِلةِ ما لو قالَ: «له علَيَّ ألفُ دِرهَمٍ لكنْ لي عليه ثَوبٌ» (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ هُبيرةَ : واختَلَفوا فيما إذا أقَرَّ بشَيءٍ واستَثنى مِنْ غيرِ جِنسِه.

فقالَ أبو حَنيفةَ: إنْ كانَ استِثناؤُه ممَّا يَثبُتُ في الذِّمةِ كالمَكيلِ والمَوزونِ والمَعدودِ، كقَولِه: «له علَيَّ ألفُ دِرهمٍ إلا كَفَّ حِنطةٍ، وإلا مِئةَ جَوزةٍ» صحَّ الاستِثناءُ، وإنْ كانَ استِثناؤُه ممَّا لا يَثبُتُ في الذِّمةِ إلا قيمَتُه، كالثَّوبِ والعَبدِ، لم يَصِحَّ الاستِثناءُ.

وقالَ مالِكٌ والشافِعيُّ: يَصحُّ الاستِثناءُ مِنْ غيرِ الجِنسِ على الإِطلاقِ.

وأمَّا أَحمدُ فظاهِرُ كَلامِه أنَّه لا يَصحُّ الاستِثناءُ مِنْ غيرِ الجِنسِ على الإِطلاقِ. إلا أنَّ أَصحابَه اختَلَفوا فيما إذا استَثنى عَينًا مِنْ وَرِقٍ أو وَرِقًا من عَينٍ، فقالَ الخِرقيُّ: يَصحُّ. وقالَ أبو بَكرٍ: لا يَصحُّ (٢).


(١) «المغني» (٥/ ٩٠، ٩١٤)، و «شرح الزركشي» (٢/ ١٥٣، ١٥٤).
(٢) «الإفصاح» (١/ ٤٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>