وأمَّا الحَنفيةُ فقالوا: إذا كانَ المُستَثنى مِنْ غيرِ جِنسِ المُستَثنى منه يُنظَرُ إنْ كانَ المُستَثنى مما لا يُثبِتُ دَينًا في الذِّمةِ مُطلَقًا كالثَّوبِ، لا يَصحُّ الاستِثناءُ، وعليه جَميعُ ما أقَرَّ به، بأنْ قالَ:«له علَيَّ عَشرةُ دَراهمَ إلا ثَوبًا».
وإنْ كانَ المُستَثنى مما يُثبِتُ دَينًا في الذِّمةِ مُطلَقًا مِنْ المَكيلِ والمَوزونِ والعَدديِّ المُتقارِبِ بأنْ قالَ:«لفُلانٍ علَيَّ عَشرةٌ إلا دِرهمًا أو إلا قَفيزَ حِنطةٍ، أو مِئةُ دينارٍ إلا عَشرةَ دَراهمَ أو دِينارٌ إلا مِئةَ جَوزةٍ» يَصحُّ الاستِثناءُ عندَ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ ويُطرَحُ مما أقَرَّ به قَدرُ قيمةِ المُستَثنى.
وعندَ مُحمدٍ وزُفرَ لا يَصحُّ الاستِثناءُ أصلًا؛ لأنَّ الاستِثناءَ استِخراجُ بعضِ ما لَولاه لدخَلَ تحتَ نَصِّ المُستَثنى منه، وذا لا يَتحقَّقُ إلا في الجِنسِ، ولهذا لو كانَ المُستَثنى ثَوبًا لم يَصحَّ الاستِثناءُ.
وَجهُ قَولِ أبي حَنيفةَ وأبي يُوسفَ أنَّ الداخِلَ تحتَ قَولِه:«لفُلانٍ علَيَّ عَشرةُ دَراهمَ» مَوصوفةٌ بأنَّها واجِبةٌ مُطلَقًا، مُسَماةٌ بالدَّراهمِ، فإنْ لم يُمكِنْ تَحقيقُ مَعنى المُجانَسةِ في اسمِ الدَّراهمِ أمكَنَ تَحقيقُها في الوُجوبِ في الذِّمةِ على الإِطلاقِ؛ لأنَّ الحِنطةَ في احتِمالِ الوُجوبِ في الذِّمةِ على الإِطلاقِ مِنْ جِنسِ الدَّراهِمِ.
ألا تَرى أنَّها تَجِبُ دَينًا مَوصوفًا في الذِّمةِ حالًّا بالاستِقراضِ والاستِهلاكِ، كما تَجبُ سَلمًا وثَمنًا حالًّا كالدَّراهِمِ.
فأمَّا الثَّوبُ فلا يَحتمِلُ الوُجوبَ في الذِّمةِ على الإِطلاقِ، بل سَلَمًا أو ثَمنًا مُؤجَّلًا.