للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكِتابِ والسُّنةِ: قالَ اللهُ تَعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: ١٤]، ﴿فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ [الحجر: ٣٠، ٣١]، وقالَ النَّبيُّ في الشَّهيدِ: «يُكفَّرُ عنه خَطاياه كلُّها إلا الدَّينَ»، وهذا في الكِتابِ والسُّنةِ كَثيرٌ، وفي سائِرِ كَلامِ العَربِ، فإذا أقَرَّ بشَيءٍ واستَثنَى منه كانَ مُقِرًّا بالباقِي بَعدَ الاستِثناءِ، فإذا قالَ: «له علَيَّ مِئةٌ إلا عَشرةً» كانَ مُقِرًّا بتِسعينَ؛ لأنَّ الاستِثناءَ يَمنَعُ أن يَدخُلَ في اللَّفطِ ما لَولاه لدَخَل فإنَّه لو دخَلَ لما أمكَنَ إِخراجُه، ولو أقَرَّ بالعَشَرةِ المُستَثناةِ لما قُبِلَ منه إِنكارُها، وقَولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ [العنكبوت: ١٤] إِخبارٌ بتِسعِمِئةٍ وخَمسينَ، فالاستِثناءُ يُبيِّنُ أنَّ الخَمسينَ المُستَثناةَ غيرُ مُرادةٍ كما أنَّ التَّخصيصَ يُبيِّنُ أنَّ المَخصوصَ غيرُ مُرادٍ باللَّفظِ العامِّ وإنْ قالَ: «إلا ثُلثَها أو رُبعَها» صحَّ وكانَ مُقِرًّا بالباقي بعدَ المُستَثنى، وإنْ قالَ: «هذه الدارُ لزَيدٍ إلا هذا البَيتَ» كانَ مُقِرًّا بما سِوَى البَيتِ منها، وكذلك إنْ قالَ: «هذه الدارُ له وهذا البَيتُ لي»، صحَّ أيضًا؛ لأنَّه في مَعنى الاستِثناءِ لكَونِه أخرَجَ بعضَ ما دَخَل في اللَّفظِ الأوَّلِ بكَلامٍ مُتَّصِلٍ، وإنْ قالَ: «له هَؤلاء العَبيدُ إلا هذا» صَحَّ، وكانَ مُقِرًّا بمَن سِواه منهم، وإنْ قالَ: «واحِدًا» صحَّ؛ لأنَّ الإِقرارَ يَصحُّ مَجهولًا، فكذلك الاستِثناءُ منه، ويُرجَعُ في تَعيينِ المُستَثنى إليه؛ لأنَّ الحُكمَ يَتعلَّقُ بقَولِه، وهو أعلَمُ بمُرادِه بهِ (١).


(١) «المغني» (٥/ ٩١، ٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>