والحاكِمُ لا يَرى صِحَّتَه ولا يَنبَغي أنْ يُحكَمَ بصِحتِه معَ جَهلِه بها، ولا يَعلَمُ بها، ما لم تُذكَرِ الشُّروطُ وتُقَمِ البَيِّنةُ بها.
وتُفارِقُ المالَ؛ فإنَّ أَسبابَه تَنحَصِرُ وقد يَخفَى على المُدَّعي سَببُ ثُبوتِ حَقِّه، والعُقودُ تَكثُرُ شُروطُها، ولذلك اشتَرَطنا لصِحةِ البَيعِ شُروطًا سَبعةً، وربَّما لا يُحسِنُ المُدَّعي عَدَّها ولا يَعرِفُها، والأَموالُ ممَّا يُتساهَلُ فيها، ولذلك افتَرَقا في اشتِراطِ الوَليِّ والشُّهودِ في عُقودِه، فافتَرَقا في الدَّعوى.
وعَدمُ العِدةِ والرَّدِّ لم يَختلِفِ الناسُ فيهما والأصلُ عَدمُهما ولا تَختلِفُ به الأَغراضُ.
وأمَّا إنِ ادَّعى استِدامةَ الزَّوجيةِ ولم يَدَّعِ العَقدَ لم يَحتَجْ إلى ذِكرِ الشُّروطِ في أحَدِ الوَجهَينِ عندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ يَثبُتُ في الاستِفاضةِ، ولو اشتَرطَ ذِكرَ الشُّروطِ لاشتُرطَت الشَّهادةُ به ولا يُلزِمُ ذلك شَهادةَ الاستِفاضةِ.
وفي الثانِي: يَحتاجُ إلى ذِكرِ الشُّروطِ؛ لأنَّه دَعوى نِكاحٍ فأشبَهَ دَعوى العَقدِ (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنَّ مَنْ ادَّعى نِكاحَ امرَأةٍ سُمعَت دَعواه ولا يَجبُ عليه ذِكرُ أنَّه نَكَحها بوَليٍّ وشاهِدَيْ عَدلٍ ورِضاها؛ لأنَّها دَعوى مِلكٍ فلم يَفتقِرْ إلى ذِكرِ سَببِه كدَعوى المالِ ولأنَّه لمَّا لم يَفتقِرْ في الدَّعوى في النِّكاحِ إلى أنَّها خاليةٌ من العِدةِ والإِحرامِ
(١) «البيان» (١٣/ ١٥٥، ١٥٦)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٢٩٥)، و «تحبير المختصر» (٣/ ٧١، ٧٢)، و «المغني» (١٠/ ٢٤٢).