للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ المالِكيةُ: إذا كانَ جِدارٌ بينَ دارَينِ لرَجلَينِ وتَنازَعا في مِلكِه يُحكَمُ به لمَن يَشهَدُ العُرفُ بأنَّه له، بأنْ كانَ له تأثيرٌ يَشهَدُ العُرفُ بأنَّه يَفعَلُه المالِكُ حُكمَ له به، وذلك كتَعاقُدِ القُمُطِ والرُّبُطِ ووُجوهِ الآجُرِّ وغَيرِ ذلك، فالقُمُطُ هي ما تُشَدُّ بها الحِيطانُ من الجِصِّ وشِبهِه، والعُقودُ هي الخُشُبُ التي تُجعَلُ في أركانِ الحِيطانِ لتَشُدَّها؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩].

ورُويَ عن جاريةَ بنِ ظُفرٍ أنَّ أخَوَينِ كانَ بينَهما حِظارٌ وَسطَ دارٍ فماتا وتَرَك كلُّ واحِدٍ منهما عَقِبًا فادَّعى عَقِبُ كلِّ واحِدٍ منهما أنَّ الحِظارَ له دونَ صاحِبِه فاختَصَما إلى النَّبيِّ فأرسَلَ معهما حُذيفةَ بنِ اليَمانِ فقَضى بالحِظارِ لمَن وَجَدَ مَعاقِدَ القُمُطِ تَليه ثم رجَعَ إلى النَّبيِّ فأخبَرَه بذلك فقالَ: «أصَبتَ» أو «أحسَنتَ» (١). ولأنَّ العُرفَ والعادةَ أَصلانِ يُرجَعُ إليها في التَّنازُعِ إذا لم يَكنْ أصلٌ يُرجَعُ إليه سِواهما، كالنَّقدِ والسَّيرِ والحَمولةِ، فكذلك في مَسألَتِنا إذا كانَ العُرفُ جاريًا بأنَّ هذه الأَشياءَ يَفعَلُها المالِكُ في مِلكِه حُكمَ به لمَن يَشهَدُ له العُرفُ؛ فإنْ لم يَشهَدِ العُرفُ لأحَدِهما حُكِمَ بأَحكامِ التَّداعي (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ إلى أنَّه لا تُرجَّحُ الدَّعوى لمَن يَكونُ الدَّواخِلُ له.


(١) ضعيفٌ جدًّا: رواه ابن ماجه (٢٣٤٣)، والطبراني في «الكبير» (٢٠٨٨)، والدارقطني (٤٥٤٤)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (١١١٥٠)، وقالَ: تَفرَّدَ بهذا الحديثِ دهثمُ بنُ قران اليمامِيُّ وهو ضَعيفٍ واختَلفوا عليه في إِسنادِه فرُويَ هكذا ورُويَ من وَجهَينِ آخرَينِ.
(٢) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٨، ٤٩)، رقم (٩٠٩)، و «القوانين الفقهية» ص (٢٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>