وقالَ بُرهانُ الدِّينِ ابنُ مازةَ ﵀: ومنهم مَنْ قالَ: إنْ كانَ يَتغَنَّى ليَستفيدَ به نَظمَ القَوافِي، ويَصيرَ فَصيحَ اللِّسانِ فلا بأسَ به، ومنهم مَنْ قالَ: إذا كانَ وَحدَه فغَنَّى لدَفعِ الوَحشةِ عن نَفسِه فلا بأسَ به، وبه أخَذَ شَمسُ الأئِمةِ السَّرخَسيُّ، وإنَّما المَكروهُ على قَولِ هذا القائِلِ ما يَكونُ على سَبيلِ اللَّهوِ، وذكَرَ شَيخُ الإسلامِ أنَّ جَميعَ ذلك مَكروهٌ عندَ عُلمائِنا، ويُحتَجُّ بظاهِرِ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ﴾ [الأحزاب: ٦] جاء في التَّفسيرِ أنَّ المُرادَ منه الغِناءُ، وحَديثُ البَراءِ بنِ مالِكٍ مَحمولٌ على أنَّه كانَ يُنشِدُ الشِّعرَ المُباحَ، يَعني الشِّعرَ الذي فيه الوَعظُ والحِكمةُ؛ وهذا لأنَّ الغِناءَ كما يُطلَقُ على الغِناءِ المَعروفِ يُطلَقُ على غَيرِه، قالَ ﵇:«مَنْ لم يَتغَنَّ بالقُرآنِ فليسَ مِنَّا».
قُلنا: وإِنشادُ ما هو مُباحٌ من الأَشعارِ لا بأسَ به، وإذا كانَ في الشِّعرِ صِفةُ المَرأةِ إنْ كانَت امرَأةً بعَينِها وهي حَيةٌ يُكرهُ، وإنْ كانَت مَيتةً لا يُكرهُ، وإنْ كانَت امرَأةً وَسيمةً لا يُكرهُ؛ هذه الجُملةُ من شَرحِ «السِّير الكَبير».
(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه الترمذي (١٠٠٥)، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ٢٩٣)، والحاكم في «المستدرك» (٦٨٢٥).