للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : أمَّا النَّظرُ في العَددِ والجِنسِ؛ فإنَّ المُسلِمينَ اتَّفَقوا على أنَّه لا يَثبُتُ الزِّنا بأقَلَّ من أربَعةٍ عُدولٍ ذُكورٍ … واختَلفوا في قَبولِهما في الحُدودِ، فالذي عليه الجُمهورُ أنَّه لا تُقبلُ شَهادةُ النِّساءِ في الحُدودِ لا معَ رَجلٍ ولا مُفرَداتٍ، وقالَ أهلُ الظاهِرِ: تُقبَلُ إذا كانَ معهن رَجلٌ، وكانَ النِّساءُ أكثَرَ من واحِدةٍ في كلِّ شَيءٍ على ظاهِرِ الآيةِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : أنْ يَكونوا رِجالًا كلُّهم، ولا تُقبلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ بحالٍ، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا إلا شَيئًا يُروَى عن عَطاءٍ وحَمادٍ أنَّه يُقبلُ فيه ثَلاثةُ رِجالٍ وامرَأتانِ، وهو شُذوذٌ لا يُعوَّلُ عليه؛ لأنَّ لَفظَ الأربَعةِ اسمٌ لعَدَدِ المَذكورينَ ويَقتَضي أنْ يُكتَفَى فيه بأربَعةٍ.

ولا خِلافَ في أنَّ الأربَعةَ إذا كانَ بَعضُهم نِساءً لا يُكتفَى بهم، وإنَّ أقَلَّ مِنْ خَمسةٍ يُجزِئُ، وهذا خِلافُ النَّصِّ، ولأنَّ في شَهادتِهنَّ شُبهةٌ لتَطرُّقِ الضَّلالِ إليهِنَّ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [البقرة: ٢٨٢]، والحُدودُ تُدرأُ بالشُّبهاتِ (٢).

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ : وأمَّا اتِّفاقُهم على مَنعِها في الحُدودِ والقِصاصِ فلقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ﴾ (٣).


(١) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٤٨).
(٢) «المغني» (٩/ ٦٤، ٦٥).
(٣) «فتح الباري» (٥/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>