للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقذِفْ، إلا إذا كانَ قالَ في الابتِداءِ: أشهَدُ إنَّه قد زَنى، ثم فسَّرَ الزِّنا بما ذُكرَ فحينَئذٍ يُحدُّ.

وَجهُ قَولِ الشافِعيِّ أنَّهم إذا جاؤوا مَجيءَ الشُّهودِ كانَ قَصدُهم إِقامةَ الشَّهادةِ حِسبةً للهِ تَعالى لا القَذفَ، فلم يَكنْ جِنايةً فلم يَكنْ قَذفًا.

ولنا: ما رُويَ أنَّ ثَلاثةً شَهِدوا على المُغيرةِ بالزِّنا فقامَ الرابِعُ وقالَ: «رأيتُ أَقدامًا باديةً ونَفَسًا عاليًا وأمْرًا مُنكَرًا ولا أعلَمُ ما وَراءَ ذلك، فقالَ سَيِّدُنا عُمرُ : الحَمدُ للهِ الذي لم يَفضَحْ رَجلًا من أَصحابِ مُحمدٍ، وحَدَّ الثَّلاثةَ»، وكانَ ذلك بمَحضَرٍ من الصَّحابةِ الكِرامِ ولم يُنقَلْ أنَّه أنكَرَ عليه مُنكِرٌ، فيَكونُ إِجماعًا، ولأنَّ المَوجودَ من الشُّهودِ كَلامُ قَذفٍ حَقيقةً؛ إذ القَذفُ هو النِّسبةُ إلى الزِّنا، وقد وُجدَ من الشُّهودِ حَقيقةً فيَدخُلونَ تحتَ آيةِ القَذفِ، إلا أنا اعتَبَرنا تَمامَ عَددِ الأربَعِ إذا جاؤوا مَجيءَ الشُّهودِ فقد قَصَدوا إِقامةَ الحِسبةِ واجِبًا حقًّا للهِ تَعالى، فخرَجَ كَلامُهم عن كَونِه قَذفًا وصارَ شَهادةً شَرعًا، فعندَ النُّقصانِ بَقيَ قَذفًا حَقيقةً فيُوجِبُ الحَدَّ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ هُبيرةَ : واتَّفَقوا على أنَّه إذا لم يَكتمِلْ عَددُ شُهودِ الزِّنا أربَعةً؛ فإنَّهم قَذَفةٌ يُحدُّونَ إلا ما رُويَ عن الشافِعيِّ في أحَدِ قَولَيه من أنَّهم لا يُحدُّونَ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٤٧، ٤٨).
(٢) «الإفصاح» (٢/ ٢٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>