للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتَمنَعُ الشَّهادةَ كالقَرابةِ القَريبةِ، وتُخالِفُ الصَّداقةَ؛ فإنَّ في شَهادةِ الصَّديقِ لصَديقِه بالزُّورِ نَفعَ غَيرِه بمَضرَّةِ نَفسِه وبَيعَ آخرَتِه بدُنيا غَيرِه، وشَهادةُ العَدُوِّ على عَدُوِّه يُقصَدُ بها نَفعُ نَفسِه بالتَّشفِّي من عَدوِّه فافتَرَقا.

فإنْ قيلَ: فلِمَ قبِلتُم شَهادةَ المُسلِمينَ على الكُفارِ معَ العَداوةِ؟ قُلنا: العَداوةُ ههُنا دِينيةٌ، والدِّينُ لا يَقتَضي شَهادةَ الزُّورِ ولا أنْ يَتركَ دِينَه بمُوجِبِ دِينِه (١).

وذهَبَ الإمامُ أَبو حَنيفةَ في المَنصوصِ عنه إلى أنَّ شَهادةَ العَدوِّ على عَدوِّه تُقبلُ.

لكنَّ مُتأخِّري الحَنفيةِ قالوا: إنَّ شَهادةَ العَدوِّ على عَدوِّه لا تُقبلُ إذا كانَت لأمرٍ دُنيَويٍّ وتُقبَلُ إذا كانَت لأمرٍ دِينيٍّ.

قالَ الإمامُ الموصليُّ : (ولا شَهادةُ العَدوِّ إنْ كانَت العَداوةُ بسَببِ الدُّنيا)؛ لأنَّه لا يُؤمَنُ عليه الكَذبُ (وتُقبَلُ إنْ كانَت بسَببِ الدِّينِ)؛ لأنَّه لا يَكذِبُ لدِينِه كأهلِ الأَهواءِ (٢).

وقالَ الإمامُ ابنُ نَجيمٍ : قَولُه: (والعُدوِّ، إنْ كانَت عَداوةً دُنيويةً)، أي: لم تُقبَلْ شَهادةُ العَدوِّ لأجْلِ الدُّنيا؛ لأنَّ المُعاداةَ لأجلِها حَرامٌ، فمَن ارتَكَبها لا يُؤمَنُ مِنْ التَّقوُّلِ عليه.

قيَّدَ بكَونِها دُنيويةً للاحتِرازِ عمَّا إذا كانَت دِينيةً؛ فإنَّها لا تَمنَعُ؛ لأنَّها


(١) «المغني» (١٠/ ١٨٢).
(٢) «الاختيار» (٢/ ١٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>