للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعنه رِوايةٌ ثالِثةٌ تُقبلُ شَهادةُ كلِّ واحِدٍ منهما لصاحِبِه فيما لا تُهمةَ فيه كالنِّكاحِ والطَّلاقِ والقِصاصِ والمالِ إذا كانَ مُستَغنًى عنه؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لا يَنتفِعُ بما يَثبُتُ للآخَرِ من ذلك، فلا تُهمةَ في حَقِّه (١).

قالَ الإمامُ ابنُ العَربيِّ المالِكيُّ : المُختارُ عِندي أنَّ أصلَ الشَّريعةِ لا تَجوزُ شَهادةُ الوالِدِ للوَلدِ ولا الوَلدِ للوالِدِ لما بينَهما من البَضعيةِ، قالَ النَّبيُّ : «إنَّما فاطِمةُ بَضعةٌ مِنِّي يَريبُني ما رابَها ويُؤذينِي ما آذَاها»، وشَهادةُ الإِنسانِ لنَفسِه لا تَجوزُ إلا أنَّ مَنْ تَقدَّم قالَ: إنَّه كانَ يُسامِحُ فيه، وما رَوَى قَطُّ أحَدٌ أنَّه نُفِّذ قَضاءٌ بشَهادةِ وَلدٍ لوالِدِه ولا والِدٍ لوَلدِه، وإنَّما مَعنى المُسامَحةِ فيه أنَّهم كانوا لا يُصرِّحونَ برَدِّها ولا يُحذِّرونَ منها؛ لصَلاحِ الناسِ، فلما فَسَدوا وقَعَ التَّحذيرُ ونبَّهَ العُلماءُ على الأصلِ، فظَنَّ مَنْ تغافَلَ أو غفَلَ أنَّ الماضِينَ جوَّزوها، وما كانَ ذلك قَطُّ، وقد قالَ النَّبيُّ : «إنَّ مِنْ أطيَبِ ما أكَلَ الرَّجلُ مِنْ كَسبِه وإنَّ ولَدَه مِنْ كَسبِه»، وقد جعَلَه اللهُ جُزءًا منه في الإِسلامِ وتَبَعًا له في الإِيمانِ، فهو مُسلِمٌ بإِسلامِ أَبيه بإِجماعٍ، ومُسلِمٌ بإِسلامِ أُمِّه باختِلافٍ، ومالُه لأَبيه حَيًّا ومَيتًا، وهكذا في أُصولِ الشَّريعةِ ولا بَيانَ فَوقَ هذا (٢).


(١) «المهذب» (٢/ ٣٣٠)، و «البيان» (١٣/ ٣١١، ٣١٣)، و «روضة الطالبين» (٧/ ٣٨٨)، و «المغني» (١٠/ ١٨٦)، و «شرح الزَّركشيّ» (٣/ ٤٠٤، ٤٠٥)، و «المبدع» (١٠/ ٢٤٤)، و «الإنصاف» (١٢/ ٦٨).
(٢) «أحكام القرآن» (١/ ٦٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>