للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أَحمدُ بنُ الحَسنِ التِّرمذيُّ: قدِمتُ على أَبي عبدِ اللهِ فقالَ: ما حالُ قاضِيكم؟ لقد مُدَّ له في عُمرِه، فقُلتُ له: إنَّ للناسِ عِندي شَهاداتٍ صِرتُ إلى البِلادِ لا آمَنُ إذْ أشهَدُ عندَه أنْ يَفضَحَني. قالَ: لا تَشهَدْ عندَه. قُلتُ: يَسألُني مَنْ له عِندي شَهادةٌ. قالَ: لكَ ألَّا تَشهدَ عندَه.

قُلتُ: مَنْ كفَرَ بمَذهبِه كمَن يُنْكِرُ حُدوثَ العالَمِ وحَشرَ الأَجسادِ وعِلمَ الرَّبِّ تَعالى بجَميعِ الكائِناتِ وأنَّه فاعِلٌ بمَشيئتِه وإِرادتِه، فلا تُقبلُ شَهادتُه؛ لأنَّه على غيرِ الإِسلامِ، فأمَّا أهلُ البِدعِ المُوافِقونَ لأهلِ الإِسلامِ ولكنَّهم مُخالِفونَ في بعضِ الأُصولِ كالرافِضةِ والقَدريةِ والجَهميةِ وغُلاةِ المُرجِئةِ ونَحوِهم، فهؤلاءِ أَقسامٌ:

أَحدُها: الجاهِلُ المُقلِّدُ الذي لا بَصيرةَ له، فهذا لا يُكفَّرُ ولا يُفسَّقُ ولا تُردُّ شَهادتُه إذا لم يَكنْ قادِرًا على تَعلُّمِ الهُدى، وحُكمُه حُكمُ المُستَضعَفينَ من الرِّجالِ والنِّساءِ والوِلدانِ الذين لا يَستَطيعونَ حِيلةً ولا يَهتَدونَ سَبيلًا، فأُولئكَ عَسى اللهُ أنْ يَعفوَ عنهم، وكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفورًا.

القِسمُ الثانِي: المُتمكِّنُ من السُّؤالِ وطَلبِ الهِدايةِ ومَعرفةِ الحَقِّ ولكنْ يَتركُ ذلك اشتِغالًا بدُنياه ورياستِه ولَذَّتِه ومَعاشِه وغيرِ ذلك، فهذا مُفرِّطٌ مُستحِقٌّ للوَعيدِ آثِمٌ بتَركِ ما وجَبَ عليه من تَقوَى اللهِ بحَسَبِ استِطاعتِه، فهذا حُكمُه حُكمُ أَمثالِه من تارِكي بَعضِ الواجِباتِ؛ فإنْ غلَبَ ما فيه من البِدعةِ والهَوى على ما فيه من السُّنةِ والهُدى رُدَّت شَهادتُه، وإنْ غلَبَ ما فيه من السُّنةِ والهُدى قُبلَت شَهادتُه.

<<  <  ج: ص:  >  >>