ورُويَ عن أَحمدَ رِوايةٌ ثالِثةٌ أنَّ شَهادتَه تُقبلُ إذا كانَ ابنَ عَشرٍ، قالَ ابنُ حامِدٍ: فعلى هذه الرِّوايةِ تُقبلُ شَهادتُهم في غيرِ الحُدودِ والقِصاصِ، كالعَبيدِ، ورُويَ عن علِيٍّ ﵁ أنَّ شَهادةَ بعضِهم تُقبلُ على بعضٍ، ورُويَ ذلك عن شُرَيحٍ والحَسنِ والنَّخَعيِّ، قالَ إِبراهيمُ: كانوا يُجيزونَ شَهادةَ بعضِهم على بعضٍ فيما كانَ بينَهم، قالَ المُغيرةُ: وكانَ أَصحابُنا لا يُجيزونَ شَهادتَهم على رَجلٍ ولا على عَبدٍ.
ورَوى الإِمامُ أَحمدُ بإِسنادِه عن مَسروقٍ قالَ:«كُنا عندَ علِيٍّ فجاءَه خَمسةُ غِلمةٍ فقالوا: إنَّا كُنَّا سِتةَ غِلمةٍ نَتغاطُّ، فغرِقَ منا غُلامٌ، فشهِدَ الثَّلاثةُ على الاثنَينِ أنَّهما غَرَّقاه، وشهِدَ الاثنانِ على الثَّلاثةِ أنَّهم غَرَّقوه، فجعَلَ على الاثنَينِ ثَلاثةَ أَخماسِ الدِّيةِ، وجعَلَ على الثَّلاثةِ خُمسَيْها» وقَضى بنَحوِ هذا مَسروقٌ.
والمَذهبُ أنَّ شَهادتَهم لا تُقبلُ في شَيءٍ؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقالَ ﷾: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ [الطلاق: ٢] وقالَ: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، والصَّبيُّ ممَّن لا يُرضَى، وقالَ ﷾: ﴿وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣]، فأخبَرَ بأنَّ الشاهِدَ الكاتِمَ لشَهادتِه آثِمٌ، والصَّبيُّ لا يَأثمُ فيَدلُّ على أنَّه ليسَ بشاهِدٍ، ولأنَّ الصَّبيَّ لا يَخافُ من مَأثَمِ الكَذبِ، فهذا لا يَزعُه عنه، ولا يَمنعُه منه، فلا تَحصُلُ الثِّقةُ بقَولِه، ولأنَّ مَنْ لا يُقبلُ قَولُه على نَفسِه في الإِقرارِ لا تُقبلُ شَهادتُه على غيرِه كالمَجنونِ، يُحقِّقُ هذا أنَّ الإِقرارَ أوسَعُ؛ لأنَّه يُقبلُ من الكافرِ والفاسِقِ والمَرأةِ ولا تَصحُّ الشَّهادةُ