[البقرة: ٢٨٢]، ثم عطَفَ عليه قَولَ اللهِ تَعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] دَلَّ ذلك على أنَّه يُشتَرطُ الحُريةُ، وذلك لمَا في فَحوَى الخِطابِ من الدِّلالةِ من وَجهَينِ، أَحدُهما قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ﴾ [البقرة: ٢٨٢] إلى قَولِه تَعالى: ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وذلك في الأَحرارِ دونَ العَبيدِ، والدَّليلُ عليه أنَّ العَبدَ لا يَملِكُ عُقودَ المُدايَناتِ، وإذا أقَرَّ بشَيءٍ لم يَجزْ إِقرارُه إلا بإِذنِ مَولاه، والخِطابُ إنَّما تَوجَّهَ إلى مَنْ يَملِكُ ذلك على الإِطلاقِ من غيرِ إِذنِ الغيرِ، فدَلَّ ذلك على أنَّ مِنْ شَرطِ هذه الشَّهادةِ الحُريةَ.
والمَعنى الآخَرُ من دِلالةِ الخِطابِ قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٨٢] فظاهِرُ هذا اللَّفظِ يَقتَضي الأَحرارَ، كقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢] يَعني الأَحرارَ، ألَا تَرى أنَّه عطَفَ عليه قَولَه تَعالى: ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ [النور: ٣٢] فلم يَدخُلِ العَبيدُ في قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿مِنْكُمْ﴾ [النور: ٣٢]، وفي ذلك دَليلٌ على أنَّ مِنْ شَرطِ هذه الشَّهادةِ الحُريةَ، وأنَّ شَهادةَ العَبدِ غيرُ جائِزةٍ؛ لأنَّ أوامِرَ اللهِ تَعالى على الوُجوبِ، وقد أمَرَ باستِشهادِ الأَحرارِ، فلا يَجوزُ غيرُهم، فغيرُ جائِزٍ لأحَدٍ إِسقاطُ شَرطِ الحُريةِ؛ لأنَّه لو جازَ ذلك لجازَ إِسقاطُ العَددِ، وفي ذلك دَليلٌ على أنَّ الآيةَ قد تضَمَّنت بُطلانَ شَهادةِ العَبيدِ (١).
(١) «اختلاف العُلماء» (١/ ٢٨١، ٢٨٢)، و «مختصر اختلاف العُلماء» (٣/ ٣٣٥، ٣٣٦)، و «أحكام القرآن» (٢/ ٢٢١، ٢٢٢)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٣٦)، و «التاج والإكليل» (٥/ ١٠٦)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٦٠)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٠٩)، و «الحاوي الكبير» (١٧/ ٥٨، ٥٩)، و «البيان» (١٣/ ٢٧٦، ٢٧٧)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ٢٨٥)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٣٧٠).