للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنَّما يأثَمُ المُمتنِعُ إذا لم يَكنْ عليه ضَررٌ في تَحمُّلِها أو أَدائِها، وكانَت شَهادتُه تَنفعُ، فإنْ كانَ عليه ضَررٌ في التَّحملِ أو الأَداءِ أو كانَ ممَّن لا تُقبلُ شَهادتُه أو يَحتاجُ إلى التَّبذُّلِ في التَّزكيةِ ونَحوِها لم يَلزَمْه؛ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ [البقرة: ٢٨٢]. ولقَولِ النَّبيِّ : «لا ضَررَ ولا ضِرارَ» ولأنَّه لا يَلزمُه أنْ يَضرَّ نَفسَه لنَفعِ غيرِه، وإذا كانَ ممَّن لا تُقبلُ شَهادتُه لم يَجِبْ عليه؛ لأنَّ مَقصودَ الشَّهادةِ لا يَحصُلُ منه.

وهذا مَحلُّ اتِّفاقٍ بينَ الفُقهاءِ، إلا أنَّ الشافِعيةَ والحَنابِلةَ اختَلَفوا فيما لو وُجدَ غيرُه ممَّن يَقومُ مَقامَه وامتنَعَ هو هل يأثَمُ أو لا؟ على وَجهَينِ:

أَحدُهما: يأثَمُ؛ لأنَّه قد تعيَّنَ بدُعائِه إليها، ولأنَّه مَنهيٌّ عن الامتِناعِ بقَولِه: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ [البقرة: ٢٨٢]، ولأنَّه إذا امتنَعَ فربَّما امتنَعَ غيرُه، فيُؤدِّيَ إلى الإِضرارِ بالمَشهودِ له.

والثانِي: لا يأثَمُ، وهو الصَّحيحُ؛ لأنَّ غيرَه يَقومُ مَقامَه فلم يَتعيَّنْ في حَقِّه كما لو لم يُدْعَ إليها.

وما لا تُشتَرطُ فيه الشَّهادةُ من العُقودِ كالبَيعِ والرَّهنِ والإِجارةِ وغيرِ ذلك من العُقودِ غيرِ النِّكاحِ -والرَّجعةِ على قَولٍ عندَ الشافِعيةِ- لا يَجبُ عليه أَداءُ الشَّهادةِ، ولا تَحمُّلُها في هذه العُقودِ التي لا تَحتاجُ إليها، ولكنْ يُستحَبُّ (١).


(١) «المغني» (١٠/ ١٥٤، ١٥٥)، وينظر: «الاختيار» (٢/ ١٦٧)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٣٩، ١٤٠)، و «اللباب» (٢/ ٤٤٥، ٤٤٦)، و «مختصر الوقاية» (٢/ ٢٧٠)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ٢١٢، ٢١٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ١١٤)، و «القوانين الفقهية» ص (٢٠٥)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١٦١)، و «البيان» (١٣/ ٢٦٨، ٢٧٢)، و «النجم الوهاج» (١٠/ ٣٦٢، ٣٦٥)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٤٠٨، ٤٠٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ٥١٣، ٥١٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٦٣٥)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٨٩، ٤٩٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>